وفيه دليل أنه لا بأس باستعمال فقد { القرعة في القسمة استعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك في قسمة الغنيمة مع نهيه صلوات الله عليه عن القمار } فدل أن استعماله ليس من القمار وذكر عن رحمه الله أنه لم يأخذ عن القضاء رزقا ففيه دليل أنه مسروق فالأولى له أن يحتسب ولا يأخذ كفايته من مال بيت المال ، وإن كان لو أخذ جاز له وبيانه بما روي عن من ابتلي بالقضاء وكان صاحب يسار رضي الله عنه فيه قال : ما أحب أن يأخذ قاضي المسلمين أجرا ولا الذي على الغنائم ولا الذي على المقاسم ولم يرد به حقيقة الأجر عمر لا يجوز ولا يستوجب الأجر على القضاء ، وإن شرط ولكن مراده الكفالة التي يأخذها القاضي من بيت المال فالمستحب له عند الاستغناء أن لا يأخذ ذلك قال الله تعالى { فالاستئجار على القضاء ومن كان غنيا فليستعفف } وقد بينا الكلام في هذا الفصل فيما أمليناه من شرح أدب القاضي والذي على الغنائم يحفظها والذي على المقاسم من وجد كالقاضي ; لأنه عامل للمسلمين ولكنه ليس بمنزلة القاضي في الحكم حتى يجوز استئجاره على ذلك إن لم يكن له فيه نصيب وتأويل الحديث إذا كان له نصيب في ذلك لا يجوز كما لا يجوز استئجار القاضي على القضاء ذكر عن فاستئجار أحد الشركاء على العمل في المال المشترك يحيى بن جزار أن عبد الله بن يحيى كان يقسم رضي الله عنه عنه الدور والأرضين ويأخذ على ذلك الأجر وقد بينا فوائد هذا الحديث في أدب القاضي وجواز الاستئجار لعمل القسمة بخلاف عمل القضاء لعلي
وعن عامر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث رضي الله عنه إلى عليا اليمن فأتى بركاز منه فأخذ منه الخمس وترك أربعة أخماسه للواجد وأتاه ثلاثة يدعون غلاما كل واحد يقول : ابني فأقرع بينهم وقضى بالغلام للذي خرجت قرعته وجعل عليه الدية لصاحبيه قال الراوي فقلت لعامر : هل رفع عنه بحصته ؟ قال : لا أدري ، أما حكم الخمس في الركاز فقد بيناه [ ص: 5 ] في كتاب الزكاة وأما حكم القرعة رحمه الله يستدل بظاهر هذا الحديث في المصر على القرعة في دعوى النسب عند الاشتباه ولسنا نأخذ بذلك أن فعله هذا كان بعد حرمة القمار أم قبله ، وأنه عرض ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم فرضي به أو لم يرض عليه ، ثم لعل القضاء له بحجة أقامها وكان استعماله القرعة ليطيب القلوب وإنما رجحه في القضاء لترجيح في حجته من يد أو غيره فالشافعي
وقوله : فقضى للذي خرجت قرعته مذكور على سبيل التعريف لا لأن الاستحقاق كان بالقرعة كما يقال قضى القاضي لصاحب الطيلسان وما ذكر في آخره من أنه جعل عليه الدية لصاحبيه مشكل لا يتضح فالحي الحر لا يتقوم بالدية ، وإن كان هذا الغلام مملوكا لهم أو من جارية مشتركة بينهم فإقرار كل واحد منهم أنه ابنه يوجب حرية نصيبه ويسقط حقه في التضمين ، وكذلك ما أشكل على السائل حيث قال : هل رفع عنه بحصته فإن الدية اسم يجمع بدل النفس وقد كان في ذلك حصة الذي قرع فلا بد من أن يرفع عنه بحصته في الموضع الذي يجب كأحد الشركاء في العبد إذا قبله إلا أن عامرا لم يحارف ألم يرد ما سمع ؟ فقال : لا أدري فكأنه لم يتكلف لذلك لعلمه إن هذا ليس بحكم مأخوذ به فبهذا يتبين ضعف هذا الحديث في استعمال القرعة في النسب وعن قال : خاصمت أخي إلى إسماعيل بن إبراهيم الشعبي في دار صغيرة أريد قسمتها ويأبى ذلك فقال الشعبي رضي الله عنه لو كانت مثل هذه فخط بيده مقدار آجرة قسمتها بينكم فقال : وخطها على أربع قطع وفيه دليل على أن القاضي يقسم المشترك عند طلب بعض الشركاء ، وإن أبى ذلك بعضهم ; لأن الذي طلب القسمة متظلم من صاحبه أنه يشفع بملكه ولا ينصفه في الانتفاع والذي يتعنت وإنما يبني القاضي قضاءه على التماس المتظلم الطالب للإنصاف دون المتعنت ; ولهذا لا تجب ; لأن الطالب هنا متعنت ; فإنه قبل القسمة ينتفع بنصيبه وبالقسمة تنقطع عنه المنفعة وأما قول القسمة فيما لا يحتملها عند طلب بعض الشركاء الشعبي في مقدار آجرة خطها على الأرض قسمتها بينكم على وجه التمثيل دون التحقيق للمبالغة في دار الذي يأتي القسمة منهما فيما يحتمل ; لأن مقدار الآجرة يحتمل القسمة وهو نظير قوله صلى الله عليه وسلم { } والمسجد لا يكون كمفحص القطاة وإنما قال : ذلك للمبالغة في بيان المثل ، وقال : من بنى مسجدا لله كمفحص قطاة بنى الله له بيتا في الجنة رحمه الله . أبو حنيفة