على عدد الرءوس لا على مقدار الأنصباء ، وقال أجرة القسام إذا استأجره الشركاء للقسمة بينهم أبو يوسف ومحمد رحمهم الله على مقدار الأنصباء ويستوي في ذلك قاسم القاضي وغيره وهو رواية عن والشافعي [ ص: 6 ] رحمه الله وجه قولهم أن هذه مؤنة تلحق الشركاء بسبب الملك فيكون بينهم على وجه النفقة على قدر الملك كالنفقة وأجرة الكيال والوزان إن استأجروه ليفعل ذلك فيما هو مشترك بينهم وهذا ; لأن المقصود هنا بالقسمة أن يتوصل كل واحد منهم إلى الانتفاع بنصيبه ومنفعة نصيب صاحب الكبير أكبر من منفعة نصيب صاحب القليل أو لأن الغرم مقابل بالغنم ، ثم الغنم بين الشركاء على قدر الملك يعني الثمار والأولاد ، فكذلك الغرم عليهم بقدر الملك أبي حنيفة رضي الله عنه أن عمله لهم سواء وإنما يستحق الأجر بذلك فيكون الأجر عليهم بالتسوية كما إذا استوت الأنصباء وبيان الوصف أن القسام لا يستحق الأجر بالمساحة ومد الأطناب والمشي على الحدود ; فإنه لو استعان في ذلك بأرباب الملك استوجب كمال الأجر إذا قسم بنفسه فعرفنا أنه لا يستوجب الأجر بالقسمة وهي تمييز نصيب كل واحد منهم ولا تفاوت بينهم في ذلك فكما يتميز نصيب صاحب الكبير بعمله عن نصيب صاحب القليل يتميز نصيب صاحب القليل عن نصيب صاحب الكبير وربما يكون عمله في نصيب صاحب القليل أكبر والحساب لا يدق إذا استوت الأنصباء وإنما يدق عند تفاوت الأنصباء وتزداد دقته بقلة بعض الأنصباء فلعل تمييز نصيب صاحب القليل أسوأ من تمييز نصيب الكبير ولكن لا يعتبر ذلك ; لأن التمييز حصل بعمل واحد وهما في ذلك العمل سواء بخلاف الزوائد فإنها تتولد من الملك فإنما تتولد بقدر الملك وبخلاف النفقة فإنها لإبقاء الملك وحاجة الكبير إلى ذلك أكثر من حاجة صاحب القليل ولا معنى لما قال : إن منفعة صاحب الكثير هنا أكثر ; لأن ذلك لكثرة نصيبه لا للعمل الذي استوجب الأجر به فأما أجر الكيال والوزان فقد قال بعض مشايخنا هو على الخلاف فإن المكيل والموزون يقسم بذلك والكيال والوزان بمنزلة القسام ولأبي حنيفة
والأصح أن رضي الله عنه يفرق بينهما فنقول هنا : إنما لا يستوجب الأجر بعمله في الكيل والوزن ، ألا ترى أنه لو استعان في ذلك بالشركاء لم يستوجب الأجر وعمله في ذلك بالشركاء لم يستوجب الأجر وعمله في ذلك لصاحب الكثير أكثر فكل عاقل يعرف أن كيل مائة قفيز يكون أكثر من كيل عشرة أقفزة ; فلهذا كانت الأجرة عليهما بقدر الملك بخلاف القسام فذكر أن الأولى أن يجعل لقاسم الأرضين رزقا من بيت المال حتى لا يأخذ من الناس شيئا ، وإن لم يجعل رزقا له فقسم بالأجر فهو جائز ; لأن القسمة ليست كعمل القضاء فالقضاء فرض هو عبادة والقاضي في ذلك نائب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا حنيفة
والقسمة [ ص: 7 ] ليست من ذلك في شيء ولكنها تتصل بالقضاء ; لأن تمام انقطاع المنازعة يكون بالقسمة فمن هذا الوجه القسام نائب عن القاضي فالأولى أن يجعل كفايته في مال بيت المال ومن حيث إن عمله ليس من القضاء في شيء يجوز له أخذ الأجر على ذلك والقسام بمنزلة الكاتب للقاضي في ذلك وقد قررنا هذا في أدب القاضي ، وكذلك ما ذكر بعده من حديث رحمه الله : ومالي لا أرتزق أستوفي منهم وأوفيهم أصبر لهم نفسي في المجلس وأعدل بينهم في القضاء ، فقد بينا أن شريح رحمه الله كان يأخذ كفايته من بيت المال على ما روي أن شريحا رضي الله عنه كان يرزقه مائة درهم على القضاء فزاده عمر رضي الله عنه ، وذلك لكثرة عياله حتى جعل له في كل شهر خمسمائة درهم ولعل عاتبه بعض أصدقائه على أخذ الأجر ، وقال له احتسب فقال علي في جوابه ما قال ومراده إني فرغت نفسي عن أشغالي لعمل المسلمين فآخذ كفايتي من مال المسلمين وكأنه بهذا الكلام أشار إلى الاستدلال بما جعل الله تعالى من النصيب في الصدقات للعاملين عليها ; فإنهم لما فرغوا أنفسهم لعمل الفقراء استحقوا الكفاية في مال الفقراء وذكر عن شريح محمد بن إسحاق { والكلبي } قالت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا سافر أقرع بين نسائه رضي الله عنها فأصابتني القرعة في السفرة التي أصابني فيها ما أصابني تريد به حديث الإفك واعلم بأن المرأة لا حق لها في القسم عند سفر الزوج فكان لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا يسافر بواحدة منهن وأن يسافر بمن شاء منهن من غير قرعة ولكنه { عائشة كان يقرع بينهن تطبيبا لقلوبهن } فاستعمال القرعة في مثل هذا الموضع جائز عند العلماء أجمع رحمهم الله .