وكذلك لو أجابهم القاضي إلى ذلك بهذا الطريق ، فكذلك في الميراث إذ لا فرق بينهما ; لأنهم في الموضعين أقروا بأصل الملك لغيرهم ، ثم أخبروا بانتقال الملك إليهم بسبب محتمل مشروع فإذا جاز له أن يعتمد القسمة [ ص: 10 ] على قولهم ، فكذلك في الشراء ، وكذلك في الميراث كان في أيديهم دار فأقروا أنها دارهم اشتروها من فلان الغائب وسألوا القاضي قسمتها رحمه الله طريقان أحدهما على قولهم في أن قضاء القاضي هنا يتناول الميت ويصير هو مقضيا عليه بقسمة القاضي وقولهم ليس بحجة عليه فلا بد لهم من إقامة البينة ليثبت بها حجة القضاء على الميت وبيانه من وجهين ( أحدهما ) أن التركة قبل القسمة مبقاة على ملك الميت بدليل أن حقه يثبت في الزوائد التي تحدث حتى يقضي منه ديونه وينفذ وصاياه وبالقسمة ينقطع حق الميت عن التركة حتى لا يثبت حقه فيما يحدث بعد ذلك من الزوائد فكان فيه قضاء على الميت يقطع حقه ولأبي حنيفة
( والثاني ) أن القاضي يثبت له الولاية على الميت في تركته فيما يرجع إلى النظر وينفذ تصرفه إليه إذا كان فيه نظر للميت فبم يخبرون القاضي بثبوت ولايته على الميت ليلزم الميت قضاؤه فيما يرجع إلى النظر ، وذلك أمر وراء ما في أيديهم فلا يكون قولهم في ذلك حجة فيكلفهم إقامة البينة على ذلك وتقبل هذه البينة من غير خصم ; لأنها تقوم لإثبات ولاية النظر للقاضي في حق من هو عاجز عن النظر لنفسه وهذا بخلاف ما إذا اقتسموا بأنفسهم ; لأن فعلهم لا يلزم الميت شيئا وبخلاف العروض ; لأن معنى النظر للميت هناك في القسمة من وجهين ( أحدهما ) أن العروض يخشى عليها النوى والتلف وفي القسمة تحصين وحفظا لها فأما العقار محصنة بنفسها لا يخشى عليها التلف ففي القسمة قضاء على الميت يقطع حقه عنها
( والثاني ) أن في العروض ما يأخذه كل واحد منهم بعد القسمة يصير مضمونا عليه بالقبض في حق غيرهم ففي ذلك مضمونا عليهم معنى النظر للميت ، وذلك لا يوجد في العقار فإنها لا تصير مضمونة على من أثبت يده فيها عند رحمه الله وهذا بخلاف ما زعموا أنها مملوكة لهم ; لأن القضاء بالقسمة هناك لا يقتصر عليهم ولا يتعدى إلى غيرهم إذ لم يثبت فيها أصل الملك لغيرهم فأما في الشراء فقد روي عن أبي حنيفة رحمه الله في غير الأصول أن القاضي لا يقسمها بينهم وسوى ; بين الشراء والميراث ولكن على هذا الطريق نسلم كما هو ظاهر الرواية فنقول قضاؤه بالقسمة في المشترى لا يتضمن قطع حق البائع ; لأن بعد البيع والتسليم لا يبقى المبيع على حكم ملك البائع بخلاف الميراث ولأنه لا يثبت للقاضي الولاية على الغائب بالتصرف في أمواله فهم ما أخبروا القاضي بثبوت ولايته على البائع الغائب بخلاف الميراث على ما قررنا والطريق الآخر أبي حنيفة أنه لا يتمكن من القضاء بالقسمة حتى يقضي بموت المورث ويتعلق بموته أحكام غير مقصودة على ما في أيديهم من وقوع التفريق بينه وبين زوجته وعتق أمهات أولاده ومدبراته وحلول آجاله . لأبي حنيفة
وقولهم ليس بحجة في شيء [ ص: 11 ] من ذلك فلا يشتغل القاضي بالقسمة حتى تقوم البينة عنده على الموت وأصل الميراث بخلاف العروض فالقسمة فيها للتحصين لا لتحصيل الملك .
( ألا ترى ) أن القسمة في العروض تجرى بين المودعين للحفظ فلا يتضمن القضاء بموته فأما في العقار القسمة لتحصيل الملك ولا يكون ذلك إلا بعد القضاء بموته وعلى هذا الطريق يأخذ في مسألة الشراء برواية النوادر ; لأنه لا يتمكن من القضاء بالقسمة حتى يقضي بالبيع وزوال ملك البائع وقولهم ليس بحجة عليه ولئن سلمنا فنقول الحكم المتعلق بالبيع هناك مقصود على ما في أيديهم فيستقيم أن يجعل ذلك نائبا في حقهم بإقرارهم بخلاف الميراث وإذا ، فكذلك الجواب عند كان في الورثة صغير أو كبير غائب والدار في أيدي الكبار الحضور رحمه الله لا يقسمها القاضي بينهم حتى تقوم البينة على أصول المواريث ; لأنها لما لم يقسم في الفصل الأول مع أن الورثة كلهم كبار حضور ففي هذا الفصل أولى أن لا يقسم ; لأن في قسمته قضاء على الغائب والصغير بقولهم وعلى قول أبي حنيفة أبي يوسف يقسمها بينهم ويعزل حق الغائب والصغير ويشهد أنه قسمها بإقرار الحضور الكبار وأن الغائب والصغير على حجتهما كما في الفصل الأول ; لأن الدار كلها في يد الكبار الحضور وليس في هذه القسمة قضاء على الصغير والغائب بإخراج شيء من يدهما بل فيها نظر لهما بظهور نصيبهما مما في يد الغير ; فإنه بالقسمة يعزل نصيب الغائب والصغير وكان هذا محض نظر في حق الغائب والصغير وللقاضي هذه الولاية ، وإن ومحمد لم أقسمها بإقرار الحضور حتى تقوم البينة على أصل الميراث ; لأن في هذه القسمة قضاء على الغائب والصغير بإخراج شيء مما كان في يده عن يده كان شيء من العقار في يد الصغير أو الغائب
وكذلك إن كان الكبير أودع ما كان في يده منها رجلا حين غاب ; لأن المودع أمين فلا يكون خصما في ذلك ولا يجوز للقاضي أن يقضي على الغائب بحضور أمينه ; فلهذا لا يقسم حتى تقوم البينة فإذا قامت البينة قبلها القاضي ; لأنها تقوم لإثبات ولاية القاضي في تركة الميت ولأن الورثة يخلفون الميت في الميراث فينتصبون خصما عنه وينصب بعضهم خصما عن بعض فقل ما تخلو تركة عن هذا فإن الورثة يكثرون وقل ما يحضرون فلو لم يقبل القاضي البينة ولم يقسمها لمكان غائب أو صغير أدى إلى الضرر ، والضرر مدفوع ، وكذلك إذا حضر القاضي اثنان من الورثة والعقار في أيديهما وأقاما البينة على أصل الميراث فإن القاضي يقسمها بينهم ويوكل بنصيب الغائب والصغير من يحفظه ; لأنه يجعل أحد الحاضرين خصما عن الميت وعن الصغير والغائب والآخر خصما عن نفسه [ ص: 12 ] فيتمكن من قبول هذه البينة والعمل بها بحضور مدع ومدعى عليه وإذا لم يقسمها القاضي ولم يقبل منه البينة ; لأنه ليس معه خصم فإن الحاضر لو كان خصما عن نفسه فليس هنا خصما عن الميت وعن الغائب ، وإن كان هذا الحاضر خصما عنهما فليس هنا من يخاصم عن نفسه ليقيم البينة عليه بذلك بخلاف ما إذا كان الحاضر اثنين من الورثة والثاني أن الحاضر إذا كان واحدا فهو غير متظلم في طلب القسمة ولا طالب للإنصاف إذ ليس معه من ينتفع بملكه حتى يقول للقاضي أقسمها بيننا لكي لا ينتفع بملكي غيري فإذا حضر اثنان فكل واحد منهما يطلب القسمة ليسأل القاضي أن يمنع صاحبه من الانتفاع بنصيبه ، وذلك مستقيم ، وإن كان فيهم خصم صغير جعل له القاضي وصيا ; لأن للقاضي ولاية النظر للصبي في نصيب الوصي كان الحاضر واحدا
ووصي الصغير قائم مقام الصغير فكأنه بالغ حاضر فتقبل البينة حينئذ ويأمر بالقسمة باعتبار أنه يجعل أحدهما مدعيا والآخر مدعى عليه وأحدهما خصما عن نفسه والآخر عن الميت والغائب ، وإن لم أقسمها بينهم ، وإن أقاموا البينة على الشراء حتى يحضر الغائب ; لأن في الميراث إنما قسمها عند حضور جماعة منهم لتعذر اشتراط حضورهم عند القسمة بطريق العادة وهذا لا يوجد في الشراء فقد كانوا حاضرين عند الشراء فتيسر اشتراط حضورهم عند القسمة أيضا ولأن الحاضر من المسيرين لا ينتصب خصما عن الغائب ; لأن النائب بالشراء لكل واحد منهم ملك جديد بسبب باشره في نصيبه ولا يجوز القضاء على الغائب بالبينة إذا لم يكن عنه خصم حاضر فأما في الميراث لا يثبت للورثة ملك متجدد بسبب حادث وإنما ينسب إليهم ما كان من الملك للمورث بطريق الخلافة ; ولهذا يثبت لهم حق الرد بالعيب على بائع المورث ويصح إقالتهم معه فيستقيم أن يجعل بعضهم خصما عن البعض في ذلك لاتحاد السبب في حقهم وهو الخلافة عن الميت . كان العقار شراء بينهم ومنهم غائب