وإذا فله أن يرفع بناء ما بدا له ; لأن الساحة ملكه والساحة حق خالص له وللإنسان أن يتصرف في ملك نفسه بما يبدو له وليس للجار أن يمنعه عن ذلك وله أن يتخذ فيها حماما أو تنورا أو مخرجا ; لأنه يتصرف في خالص ملكه أرأيت لو أراد أن يجعل فيها رحى أو حدادا أو قصارا كان للآخر أن يمنعه من ذلك أصاب أحدهما قسمة ساحة في القسمة فأراد أن يبني فيها ويرفع بناء وأراد الآخر منعه ، وقال : إنك تسد علي الريح والشمس
والحاصل أن من تصرف في خالص ملكه لم يمنع منه في الحكم ، وإن كان يؤدي إلى إلحاق الضرر بالغير .
( ألا ترى ) أن من اتجر في حانوته نوع تجارة لم يمنع من ذلك ، وإن كانت تكسد بسببه تجارة وأن أصحاب الحوانيت يتأذون بغبار سنابك الدواب المارة وأن يتأذى المارة بدخان نيرانهم التي يوقدونها في حوانيتهم ، ثم ليس للبعض منع البعض من ذلك وللإنسان أن يسقي أرضه وليس لجاره أن يمنعه من ذلك مخافة أن يقل ماء بئره فعرفنا أن المالك مطلق التصرف فيما هو خالص حقه ، وإن كف عما يؤذي جاره كان أحسن له { جبريل عليه السلام يوصي بالجار حتى ظننت أنه سيورثه } والتحرز عن سوء المجاورة مستحق دينا ولكنه لا يجبر على ذلك في الحكم قال : صلى الله عليه وسلم ما زال
والحيلة للجار أن يتصرف في ملك على وجه يدفع به ضررا عن نفسه ويحول بينه وبين مقصوده على ما حكي أن رجلا جاء إلى رضي الله عنه فقال : إن جاري اتخذ مجمدة بجنب حائطي فقال : اتخذ أنت أتونا بجنب الحائط ليذيب هو ما يجمع من الجمد وعلى هذا قال في الكتاب لو فتح صاحب البناء في علو بنائه بابا أو كوة فتأذى بذلك صاحب الساحة فليس له أن يمنعه من ذلك ; لأن اتخاذ الباب والكوة يرفع نقص الحائط ولو رفع جميع البناء لم يكن للآخر أن يمنعه منه ; فلهذا أولى ولكنه يبني في ملكه ما يستره إن شاء وليس لصاحب الكوة أن يمنعه عن ذلك ، وكذلك هذا الحكم في الدارين والجارين ولو اتخذ رجل بئرا في ملكه كرياسا أو بالوعة أو بئر ماء فنز منها حائط جاره وطلب [ ص: 22 ] تحويل ذلك لم يجبر على تحويله ; لأن تصرفه في خالص ملكه ، وإن سقط الحائط من ذلك لم يلزمه ضمانه ; لأنه غير متعد في هذا السبب والمسبب إذا كان غير متعد في تسببه فهو غير ضامن ; لما تلف به كما لو سقط إنسان في بئره هذا . أبي حنيفة