وإذا بكل حق هو فأراد صاحب النهر أن يمر إلى نهره في أرض قسمة فمنعه ذلك ليس له أن يمنعه وله الطريق إلى نهره إذا كان نهره في وسط أرض هذا ولا يخلص إليه إلا بذلك ; لأنه لا يتمكن من الانتفاع بنهره ما لم يخلص إليه ولا طريق له إلى ذلك إلا في أرض قسيمه وقد اشترط في القسمة كل حق هو لها فعرفنا أنه إنما شرط ذلك لأجل هذا الطريق والطريق بالشرط يصير مستحقا له في نصيب قسيمه ، وإن كانت قرية وأرض ورحا ماء بين نفر فاقتسموها فأصاب رجل الرحاء وأصاب الآخر أقرحة معلومة وأصاب الآخر بيوتا وأقرحة فاقتسموها لم يكن له أن يمر في أرض هذا ; لأن القسمة لتمييز ملك أحدهما من ملك الآخر وتمام ذلك بأن لا يبقى لأحدهما حق في نصيب الآخر وإتمام القسمة في هذا الفصل ممكن بهذه الصفة فلا يستحق الطريق بذكر الحقوق والمرافق وفي الأول [ ص: 31 ] لا يمكن إتمام القسمة بينهما بهذه الصفة فيجعل الطريق مستحقا له بذكر الحقوق وقد تقدم بيان هذا الفرق في البيت والصفة ، وإن كان النهر منعرجا مع حد الأرض له طريق إليه في غير الأرض ولا كل حق هو لها ولا كل قليل وكثير هو فيها أو منها فلا طريق له في أرض هذا ; لما بينا أنه لا يستحق في نصيب قسيمه حقا من غير لفظ يدل عليه في القسمة والقسمة فاسدة ; لأنها وقعت على ضرر إلا أن يقدر على أن يمر في بطن النهر بأن انكشف الماء عن موضع من النهر فإن قدر على هذا فالقسمة جائزة وطريقه في بطن النهر ليمكنه من الانتفاع بنصيبه بهذه الصفة وطريقه لا في بطن النهر زيادة منفعة له ولم يشترط ذلك لنفسه فلا يستحقه ولا تبطل القسمة لأجله مع تمكنه من الانتفاع بنصيبه ; لأن حرمانه هذه الزيادة بتركه النظر لنفسه عند القسمة كان في وسط أرض هذا ولم يشترطوا المرافق والطريق
وإن فهو جائز وطريقه عليها دون أرض صاحبه ، وإن ذكر الحقوق في القسمة لتمكنه من الانتفاع بالنهر بالتطرق على مسناته ، وإن كان للنهر مسناة من جانبيه يكون طريقه عليها فهي لصاحب النهر لملتقى طينه وطريقه في قول لم يذكروا المسناة في القسمة فاختلف صاحب النهر والأرض فيها أبي يوسف رحمهما الله ، وقال ومحمد رحمه الله هو لصاحب الأرض وهذا بناء على مسألة كتاب الشرب أن عند أبو حنيفة رحمه الله لا حريم للنهر وعندهما للنهر حريم من جانبيه مثل عرض بطن النهر فإذا كان عندهما للنهر حريم كان اشتراط النهر لأحدهما في القسمة اشتراطا لحريمه له فهو أولى به وعند أبي حنيفة رحمه الله لا حريم للنهر وقد جعلا في القسمة النهر حدا لملك صاحبه والمسناة من جنس الأرض يصلح ; لما يصلح له الأرض من الغرس والزراعة ولا يصلح ; لما يصلح له من إجراء الماء فيه فيكون صاحب الأرض أولى به أبي حنيفة
وإن فهو جائز ولا طريق له إذا علم يومئذ أنه لا طريق له ; لأن فساد القسمة لدفع الضرر عنه وقد رضي هو بالتزام الضرر ، والشرط أملك ، وكذلك النخلة والشجرة نصبت إحداهما في أرض الآخر واشترطا أن لا طريق له في أرض صاحبه فهو والنهر سواء ولو كان نهر يصب في أجمه كان لصاحبه ذلك المصب على حاله ; لأنه محتاج إليه مستعجل له وقد وقعت القسمة على هذه الصفة فيترك على ذلك لما بينا في جذوع لأحدهما على حائط الآخر فالمصب يجوز أن يكون مستحقا لصاحب النهر في ملك الغير كالجذوع وإذا لم يكن للنهر طريق إلا في أرض لقسيمه واشترطوا عليه أن لا طريق له في هذه الأرض فهي لرب الأرض في قول كان نهر لرجل يمر في ملك رجل آخر فاختلفا في مسناة على النهر رحمه الله وعندهما المسناة لصاحب النهر وهذا بناء على مسألة [ ص: 32 ] حريم النهر وعلى سبيل الابتداء هما يقولان لصاحب النهر في المسناة يد من حيث الاستعمال ; فإنه بالمسناة من الجانبين يجري ماؤه في النهر مستويا والاستعمال يد وعند المنازعة القول قول ذي اليد أبي حنيفة أن الظاهر يشهد لرب الأرض ; لأن المسناة من جنس الأرض يصلح ; لما يصلح له الأرض وملك الآخر في النهر وهو العمق الذي يجري فيه الماء وما وراء ذلك يكون لصاحب الأرض باعتبار الظاهر حيث يثبت للآخر استحقاقه بالحجة إلا أنه ليس له أن يهدمها فإن ذلك يضر بالنهر ; لأن الماء يفيض عدم المسناة فهو مملوك لصاحب الأرض ولصاحب النهر فيه حق استمساك الماء به فلا يهدمها لحقه كحائط لإنسان عليه جذوع لآخر ليس لصاحب النهر أن يهدمه ولكن لصاحب الأرض أن يغرس على المسناة ما بدا له ; لأنه يتصرف في ملكه ولأبي حنيفة
وليس فيه إبطال حق صاحب النهر فهو بمنزلة حائط سفله لرجل وعلوه لآخر ولصاحب العلو أن يحدث على علوه ما بدا له ما لم يضر بالسفل .