، فإن مطلقا في القياس ، لا يجوز إقراره ، سواء كان في مجلس القاضي ، أو في غير مجلس القاضي ، وهو قول أقر الوكيل على الذي وكله بالخصومة الأول ، وقول أبي يوسف زفر - رحمهم الله - ثم رجع والشافعي - رحمه الله - فقال يصح إقراره في مجلس القاضي ، وفي غير مجلس [ ص: 5 ] القاضي إقراره باطل ، وجه القياس أنه وكله بالخصومة ، والخصومة اسم لكلام يجري بين اثنين على سبيل المنازعة والمشاحة ، والإقرار اسم لكلام يجري على سبيل المسالمة والموافقة ، وكان ضد ما أمر به ، والتوكيل بالشيء لا يتضمن ضده ، ولهذا لا يملك الوكيل بالخصومة الهبة والبيع أو الصلح ، والدليل عليه : بطلان إقرار الأب والوصي على الصبي مع أن ولايتهما أعم من ولاية الوكيل . أبو يوسف
- رحمه الله - يقول : " الموكل أقام الوكيل مقام نفسه مطلقا فيقتضي أن يملك ما كان الموكل مالكا له ، والموكل مالك للإقرار بنفسه في مجلس القضاء وفي غير مجلس القضاء ، فكذلك الوكيل ، وهذا ; لأنه إنما يختص بمجلس القضاء ما لا يكون موجبا إلا بانضمام القضاء إليه كالبينة واليمين ، فأما الإقرار فهو موجب للحق بنفسه ، سواء حصل من الوكيل أو من الموكل ، فمجلس القضاء فيه وغير مجلس القضاء سواء . وأبو يوسف
" وأبو حنيفة - رحمهما الله - قالا : حقيقة الخصومة ما قال ومحمد رحمه الله ولكنا تركنا هذه الحقيقة وجعلنا هذا توكيلا مجازا بالجواب ، والإقرار جواب تام وإنما حملناه على هذا المجاز ; لأن توكيله إنما يصح شرعا بما يملكه الموكل بنفسه ، والذي يتيقن به أنه مملك للموكل الجواب لا الإنكار ، فإنه إذا عرف المدعي محقا لا يملك الإنكار شرعا ، وتوكيله فيما لا يملك لا يجوز شرعا ، والديانة تمنعه من قصد ذلك ، فلهذا حملناه على هذا النوع من المجاز كالعبد المشترك بين اثنين ، يبيع أحدهما نصيبه فينصرف بيعه إلى نصيبه مطلقا ليصحح عقدة هذا الطريق ، غير أنه إنما سمى الجواب خصومة مجازا ، إذا حصل في مجلس القضاء ; لأنه لما ترتب على خصومة الآخر إياه سمي باسمه كما قال الله تعالى : { زفر وجزاء سيئة سيئة مثلها } ، والمجازاة لا تكون سيئة حقيقة ; ولأن مجلس الحكم الخصومة ، فما يجري فيه يسمى خصومة مجازا ، وهذا لا يوجد في غير مجلس القضاء ; ولأنه إنما استعان بالوكيل فيما يعجز عن مباشرته بنفسه - وذلك فيما يستحق عليه والمستحق عليه إنما هو الجواب في مجلس الحكم بخلاف الأب والوصي - فإن تصرفهما مقيد بشرط الأنظر والأصلح ، قال الله تعالى { قل إصلاح لهم خير } وقال عز وجل : { ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن } ، وذلك لا يظهر بالإقرار ، فلهذا لا يملكه ، وإن وكله بالخصومة غير جائز الإقرار عليه ، صح الاستثناء في ظاهر الرواية ، وعن - رحمه الله - أنه لا يصح ; لأن من أصله أن صحة الإقرار باعتبار قيام الوكيل مقام الموكل ، وهذا حكم الوكالة فلا يصح استثناؤه . أبي يوسف
كما لو ، أو لا يسلم المبيع ، كان الاستثناء باطلا ، فأما في ظاهر الرواية فالاستثناء صحيح ; لأن صحة إقرار [ ص: 6 ] الوكيل - باعتبار ترك حقيقة اللفظ إلى نوع من المجاز - فهو بهذا الاستثناء يبين أن مراده حقيقة الخصومة ، لا الجواب الذي هو مجاز ، بمنزلة بيع أحد الشريكين نصف العبد شائعا من النصيبين أنه لا ينصرف إلى نصيبه ، خاصة عند التنصيص عليه بخلاف ما إذا أطلق ، والثاني أن صحة إقراره وإنكاره عند الإطلاق لعموم المجاز ; لأن ذلك جواب ، ولاعتبار المناظرة في المعاملات بالمناظرة في الديانات منع موضعه ، فإذا استثني الإقرار كان هذا استثناء لبعض ما تناوله مطلق الكلام ، أو هو بيان مغاير لمقتضى مطلق الكلام فيكون صحيحا ، كمن حلف لا يضع قدمه في دار فلان فدخلها ماشيا أو راكبا حنث لعموم المجاز ، فإن قال في يمينه ماشيا فدخلها راكبا لم يحنث لما قلنا ، وعلى هذا الطريق إنما يصح استثناؤه الإقرار موصولا لا مفصولا عن الوكالة ، وعلى الطريق الأول يصح استثناؤه موصولا ومفصولا ، قالوا وكذلك لو وكل بالبيع على أن لا يقبض الوكيل الثمن صح ذلك عند استثني الإنكار - رحمه الله - خلافا محمد - رحمه الله - وهذا لأن إنكار الوكيل قد يضر الموكل ، بأن كان المدعى وديعة أو بضاعة فأنكر الوكيل لم يسمع منه دعوى الرد والهلاك بعد صحة الإنكار ، ويسمع منه ذلك قبل الإنكار ، فإذا كان إنكاره قد يضر الموكل صح استثناؤه الإقرار ، ثم إذا لأبي يوسف فلم يصح إقراره عندهما ، كان خارجا من الوكالة وليس له أن يخاصم بعد ذلك ; لأنه يكون مناقضا في كلامه ، والمناقض لا دعوى له فيستبدل به ، كالأب والوصي إذا لم يصح إقرارهما على الصبي لا يملكان الخصومة في تلك الحادثة بعد ذلك ، وإذا أقر الوكيل في غير مجلس القاضي ، فإن كان الوكيل قد خاصم إلى القاضي جازت شهادته عند وكله بالخصومة في دار يدعي فيها دعوى ، ثم عزله عنها ، ثم شهد له الوكيل بها أبي حنيفة - رحمهما الله - ولم تجز عند ومحمد - رحمه الله - وهو بناء على ما ذكرنا أن عند أبي يوسف - رحمه الله تعالى - بتعيينه للتوكيل صار خصما قائما مقام الموكل ، ولهذا جاز إقراره فيخرج من أن يكون شاهدا بنفس التوكيل ، وعندهما إنما يصير خصما في مجلس القاضي ، فكذلك إنما يخرج من أن يكون شاهدا إذا خاصم في مجلس القاضي لا قبل ذلك . أبي يوسف