وإذا لم يقبل ذلك منه ، إلا برضا من خصمه أو يكون مريضا أو غائبا مسيرة ثلاثة أيام ، والرجال والنساء والثيب والبكر في ذلك سواء في قول وكله بالخصومة وهو مقيم بالبلد - رحمه الله - ، وكان أبي حنيفة - رحمه الله - يقول " للبكر أن توكل بغير رضا الخصم " ، وكان ابن أبي ليلى - رحمه الله - يقول أولا : " للمرأة أن توكل بذلك بكرا كانت أو ثيبا إذا لم يكن مروءة " ، وفي قوله الآخر وهو قول أبو يوسف محمد - رحمهما الله - والشافعي ووجه هذا القول : أن التوكيل حصل بما هو من خالص حق الموكل ، فيكون صحيحا بغير رضا الخصم ، كالتوكيل بالقبض والإيفاء والتقاضي ، وبيان ذلك أنه وكله بالجواب الذي هو إنكار ، ومن أفسد هذا التوكيل إنما يفسده من هذا الوجه ، فإن التوكيل بالإقرار صحيح ، والإنكار خالص حق الموكل ; لأنه يدفع به الخصم عن نفسه فعرفنا أنه وكله بما هو من خالص حقه ، : " الرجل والمرأة سواء في ذلك ، لهم التوكيل بغير رضا الخصم " - رحمه الله - يقول : " هو بهذا التوكيل قصد الإضرار بخصمه فيما هو مستحق عليه فلا يملكه إلا برضاه كالحوالة بالدين " ومعنى هذا الكلام أن الحضور والجواب مستحق عليه ، بدليل أن القاضي يقطعه عن أشغاله ويحضره ليجيب خصمه ، وإنما يحضره لإيفاء حق مستحق عليه ، والناس يتفاوتون في هذا الجواب ، فرب إنكار يكون أشد دفعا للمدعي من إنكار ، والظاهر أن الموكل إنما يطلب من الوكيل ، وذلك الأشد الذي لا يتأتى منه لو أجاب الخصم بنفسه وفيه إضرار بالخصم ، إلا أن وأبو حنيفة أبا يوسف - رحمهما الله - قالا : ذلك حق الموكل [ ص: 8 ] لو أتى به بنفسه كان مقبولا منه ، وصحة التوكيل باعتبار ما هو حق للموكل دون ما ليس الأشد لحق له كما بيناه في المسألة الأولى . ومحمدا
- رحمه الله - بنى على العرف الظاهر هنا ، وقال : الناس إنما يقصدون بهذا التوكيل أن يشتغل الوكيل بالحيل الأباطيل ، ليدفع حق الخصم عن الموكل ، وأكثر ما في الباب أن يكون توكيله بما هو من خالص حقه ، ولكن لما كان يتصل به ضرر بالغير من الوجه الذي قلنا لا يملك بدون رضاه - كمن استأجر دابة لركوبه أو ثوبا للبسه - لا يملك أن يؤاجره من غيره ، وإن كان يتصرف في ملكه ، وهي المنفعة ولكن يتصل به ضرر بملك الغير وهو العين ، لأن الناس يتفاوتون في اللبس والركوب ، فكذلك أحد الشريكين في العبد إذا كاتبه كان للآخر أن يفسخ ، وإن حصل تصرف المكاتب في ملكه لا ضرر يتصل بالشريك ، وهذا بخلاف التوكيل بالقبض والإيفاء ، فإن الحق معلوم بصفته ، فلا يتصل بهذا التوكيل ضرر بالآخر ، وكذلك التقاضي له حد معلوم منع الوكيل من مجاوزة ذلك الحد ، لئلا يتضرر به الخصم ، فأما الخصومة فليس لها حد معلوم يعرف حتى إذا جاوزه منع منه فلهذا شرطنا رضا الخصم ، وهذا الشرط ليس مؤثرا في صحة الوكالة ، فالتوكيل صحيح ولكن الكلام في إسقاط حق المطالبة بجواب الموكل ، ولهذا لا يشترط أبو حنيفة عند غيبة الموكل أو مرضه ; لأنه ليس للخصم حق المطالبة بإحضار الموكل فلا يكون في التوكيل إسقاط حق مستحق عليه ، وهو نظير شهادة الفروع على شهادة الأصول ، فإنها تصح عند مرض الأصول وغيبتهم مدة السفر ، ولا تصح عند حضورهم لاستحقاق الحضور بأنفسهم للأداء في هذه الحال ، رضا الخصم في التوكيل - رحمه الله - كان يقول : " المقصود بإحضار البكر لا يحصل لأنها تستحي فتسكت ، والشرع مكنها من ذلك فجاز لها أن توكل بغير رضا الخصم " ، وهكذا يقول وابن أبي ليلى - رحمه الله - في المرأة التي ليست معتادة مخالطة الرجال ، فإنها لا تتمكن من هذا الجواب إذا حضرت مجلس الحكم ، فإن حشمة القضاء تمنعها من ذلك ، وإذا كان المقصود لا يحصل بحضورها جاز لها أن توكل ، والذي نختاره في هذه المسألة من الجواب أن القاضي إذا علم من المدعي التعنت في إباء الوكيل ، لا يمكنه من ذلك ويقبل التوكيل من الخصم ، وإذا علم من الموكل القصد إلى الإضرار بالمدعي في التوكيل ، لا يقبل ذلك منه إلا برضا الخصم ، فيصير إلى دفع الضرر من الجانبين . أبو يوسف