وإذا زمانا ، فقد خرج الوكيل من الوكالة ; لأنه نائب عن الموكل ، وهو إنما انتصب نائبا عن الموكل باعتبار رأي الموكل وقد خرج الموكل بالجنون المطبق من أن يكون أهلا للرأي ، وصار مولى عليه فبطلت وكالة الوكيل كما تبطل بموته ، وهذا في موضع كان للموكل أن يخرجه من الوكالة ، فأما في كل موضع فلم يكن له أن يخرجه منها ، فلا تبطل بجنونه ، مثل : الأمين باليد والعدل إذا كان مسلطا على البيع فجن الراهن ; لأن حق الغير هناك ثبت في العين ، وصار ذلك لازما على الموكل ، فلا يبطل بجنونه ولا بموته إذا نفي المحل . وكل وكيلا في بيع أو شراء أو خصومة فذهب عقل الموكل
فأما الوكيل بالخصومة إذا كان بالتماس الخصم ، فجن الموكل أو مات بطلت الوكالة ; لأن هذه الوكالة [ ص: 13 ] لم تكن لازمة على الموكل ، ألا ترى أن له أن يعزل الوكيل بمحضر من الخصم ، وإنما لا يعزله بغير محضر منه لدفع الغرور ، لا لحق ثابت للخصم في محل ، ولو كان ذهب عقله ساعة ، أو جن ساعة فالوكيل على وكالته ; لأن هذا بمنزلة النوم لا ينقطع به رأي الموكل ، فلا يصير مولى عليه ، ثم أشار إلى القياس والاستحسان فيه ، واختلفت فيه ألفاظ الكتاب ، فذكر في باب وكالة المكاتب ، القياس والاستحسان في جنون ساعة واحدة : أن في القياس تبطل الوكالة ، وفي الاستحسان لا تبطل ، وفي باب الوكالة في الطلاق ذكر القياس في المتطاول ، وقال : " لا تبطل الوكالة بجنون الموكل ، وإن تطاول لبقاء المحل الذي تعلقت الوكالة به على حق الموكل ، وفي الاستحسان تبطل الوكالة " ثم لم يذكر في الكتاب الحد الفاصل بين القليل والكثير .
وذكر في النوادر أن - رحمه الله - كان يقول أولا : " إذا جن شهرا فهو متطاول " ثم رجع وقدر المتطاول بجنون سنة ، وعن محمدا - رحمه الله - أنه قدر المتطاول بأكثر السنة ، وقد روي عنه أنه قدر ذلك بأكثر من يوم وليلة ، ووجه هذا أن الجنون إذا زاد على يوم وليلة كان مسقطا لقضاء الصلاة ، بخلاف النوم ، والقليل منه كالدوام ، فإذا ظهرت المخالفة بين هذا القدر من الجنون وبين النوم عرفنا أنه متطاول ، ووجه قول أبي يوسف - رحمه الله - أولا : أن الشهر في حكم المتطاول ، وما دونه في حكم القريب ، بدليل أن من حلف ليقضين حق فلان عاجلا أو عن قريب فقضاه فيما دون الشهر بر في يمينه - ولو لم يقضه حتى مضى الشهر - كان حانثا ، ولأن الجنون إذا استوعب الشهر كله أسقط قضاء الصوم بخلاف دونه ، ثم رجع فقدره بالسنة ; لأنه لا تسقط العبادات إلا باستغراق الجنون سنة كاملة ، فإن من العبادات ما يكون التقرير فيها بحول كالزكاة على قول محمد - رحمه الله - ولكن محمد - رحمه الله - يجعل أكثر الحول كجميعه في حكم الزكاة حتى قال : " إذا جن في أكثر الحول لا تلزمه الزكاة " فلهذا قال : " المتطاول ما يكون في أكثر السنة " ولكن أبو يوسف - رحمه الله - يقول يعتبر كمال السنة ; لأنه إذا لم يوافقه فصل من فصول السنة ولم يفق ، عرفنا أن هذه آفة في أصل العقل بخلاف ما إذا كان في بعض السنة ، وهو قياس أجل العنين ، أي أن التقدير فيه بالسنة الكاملة . محمدا