وحقيقة الفرق أن كل عقد يجوز أن ينتقل موجبه من شخص إلى شخص فالوكيل فيه كالعاقد لنفسه ، وكل عقد لا يجوز أن ينتقل موجبه من شخص إلى شخص فالوكيل فيه يكون مغايرا ، فموجب النكاح ملك البضع ، وهو لا يحتمل النقل ، وموجب الشراء ملك الرقبة وهو يحتمل النقل ، فيجعل كأن الوكيل يملكه بالشراء ، ثم ملكه من الموكل هذا على طريقة . والوكيل بالشراء له قبض السلعة ، - رحمه الله - حيث يقول : الملك أولا فأما على طريقة الكرخي أبي طاهر الدباس - رحمه الله - الملك يقع للموكل ولكن يعقده الوكيل على سبيل الخلافة عنه ، وملك النكاح لا يحتمل مثل هذه الخلافة ، فأما ملك المال فيحتمل ألا ترى أن بعقد العبد الملك ، يقع لمولاه ، وبعقد المورث يقع لوارثه بعد موته ; فلهذا كان الوكيل فيه بمنزلة العاقد لنفسه فيما هو من حقوق العقد وإذا رد عليه بالعيب بغير قضاء قاض بعيب يحدث مثله أو لا يحدث لزمه دون الآمر ، وقد بينا اختلاف الروايات في هذا في الإقرار .
أما وكيل الإجارة فله أن يقبل بدون القاضي ، وإذا قبله لم يلزمه ، ومن أصحابنا - رحمهم الله - من قال لا فرق بينهما ; لأن المعقود عليه في الإجارة لا يصير مقبوضا بقبض الدار ; ولهذا لو تلف بانهدام الدار كان في ضمان الأجير ، فيكون هذا من البيع بمنزلة ما لو قبله الوكيل بالعيب بغير قضاء القاضي قبل القبض ، وهناك يلزم الآمر ، فكذلك في الإجارة ، فأما في الكتاب فعلل للفرق بين الفصلين ، وقال : لأن فسخ الإجارة ليس بإجارة ، ومعنى هذا أن القول بالعيب بغير قضاء القاضي في البيع ، يجعل بمنزلة عقد مبتدإ في حق غير المتعاقدين ، والموكل غيرهما ، فصار في حقه كأن الوكيل اشتراه ابتداء فيلزمه دون [ ص: 35 ] الآمر ، وفي الإجارة لا يجعل هكذا ، لأن على أحد الطرفين الإجارة في معنى عقود متفرقة يتجدد انعقادها بحسب ما يحدث من المنفعة ، فبعد الرد بالعيب يمتنع الانعقاد ، لا أن يجعل ذلك عقدا مبتدأ بين المستأجر والوكيل ، وعلى الطريقة الأخرى العقد منعقد باعتبار إقامة المعقود عليه وهو المنفعة ، وهذا حكم ثبت للضرورة ، ولا ضرورة إلى أن يجعل الرد بالعيب عقدا مبتدأ ليقام رقبة الدار فيه مقام المنفعة .