قال في قول وللوكيل بالبيع ، أن يبيع بقليل الثمن وكثيره وبأي جنس شاء من الأجناس للأموال - رحمه الله - وقال أبي حنيفة أبو يوسف - رحمهما الله - : لا يجوز بيعه إلا بالنقد بما يتغابن الناس في مثله ، وحجتهما في ذلك : أن مطلق الوكالة يتقيد بالمعتاد ، والبيع بالغبن الفاحش ليس بمعتاد ، فلا ينصرف التوكيل إليه بمنزلة التوكيل بالشراء ، ثم البيع بالمحاباة الفاحشة بيع فيه هبة ; ولهذا لو حصل من المريض كان معتبرا من ثلثه ، وهو وكيل بالبيع دون الهبة ، ألا ترى أن الأب والوصي لا يملكان البيع بالمحاباة الفاحشة لهذا ، وأما البيع بالعروض فبيع من وجه ، شراء من وجه ، وهو وكيل بمطلق البيع ، ومطلق البيع يكون بالنقد دون العروض ، ألا ترى أن الوكيل بالشراء لا يشتري للآمر إلا بالنقد ، ومحمد - رحمه الله - يقول : هو مأمور بمطلق البيع ، وقد أتى ببيع مطلق ; لأن البيع اسم لمبادلة مال بمال ، وذلك يوجد في البيع بالعروض ، كما يوجد في البيع بالنقود ولكن من البيع ما يتضمن الشراء ولا يخرج به من أن يكون بيعا مطلقا لا يضمن الشراء في جانب العروض لا في جانب المبيع ، وأمره كان باعتبار المبيع ، والعقد فيه بيع مطلق ، وكذلك البيع بالمحاباة فما من جزء [ ص: 37 ] من البيع إلا ويقابله جزء من الثمن وأبو حنيفة
ألا ترى أنه يستحق الكل بالشفعة ، والشفعة في الهبات لا تثبت ، والدليل عليه أن من حلف أن لا يبيع فباع بالمحاباة يحنث ، وكما يراعى العرف في الوكالات يراعى في الأثمان ، ثم جعل هذا بيعا مطلقا في اليمين ، وكذلك في الوكالة وهذا ; لأن العرف مشترك ، فقد يبيع المرء الشيء للبر فيه ، وفي هذا لا ينافي قلة الثمن وكثرته ، وقد يبيعه للاسترباح فعند إطلاق الأمر لا يترجح أحد المقصودين من غير دليل ، وهذا بخلاف الوكيل بالشراء ; لأن الأمر المطلق تخصصه التهمة ، وفي الوكيل بالشراء التهمة ممكنة ، لجواز أن يكون اشترى لنفسه ، فلما لم يعجبه أخذه في يمينه أراد أن يحوله إلى الآمر ، ولا تتمكن مثل هذه التهمة في الأمر بالبيع ; لأن أمره بالتوكيل بالشراء يلاقي ملك الغير ، وليس له ولاية مطلقة في ملك الغير لينظر إلى إطلاق أمره ، وأمره في البيع يلاقي ملك نفسه ، وله ولاية مطلقة في ملك نفسه ولو اعتبرنا العموم في جانب الوكيل اشترى ذلك المتاع بجميع ملك الموكل ، ونحن نعلم أن الموكل لم يقصد ذلك ، فإذا تعذر العموم حمل على أخص الخصوص ، وفي التوكيل بالبيع لا يعد ، وتصرفه ما أمر ببيعه ، فأمكن اعتبار إطلاق الأمر فيه .
وروى الحسن عن - رحمهما الله - في الوكيل في البيع إذا باع بعرض ، فإن كان يساويه جاز وإلا فلا ، ووجه هذه الرواية : أنه في جانب العرض مشتر فالوكيل بالشراء لا يشتري للآمر بالمحاباة الفاحشة ، ولم يذكر الخلاف في البيع بالنسيئة فهو دليل أبي حنيفة - رحمه الله - ولكن قبل هذا على قولهما إذا باعه بأجل متعارف ، فأما بأجل غير متعارف كعشرين سنة ونحو ذلك فإنه لا يجوز ، وإن الأجل المتعارف كالغبن اليسير ، وما ليس بمتعارف كالغبن الفاحش . لأبي حنيفة