باب من الوكالة بالبيع والشراء قال رضي الله عنه : الأصل في هذا الباب أن الوكيل متى قدر على تحصيل مقصود الموكل ، بما سمى له ، جاز التوكيل ، وإلا فلا ; لأن الوكالة غير مقصودة لعينها ، بل المقصود شيء آخر ، يحصل للموكل ، فإذا قدر على تحصيل مقصوده بما سمي له كان هذا عقدا مقيدا للمقصود ، فصح وإلا فلا .
وأصل آخر أن ما سماه في الوكالة ; إذا كان يتناول أجناسا مختلفة لا يصح التوكيل به سواء سمي الثمن أو لم يسم ، لأن جهالة الجنس جهالة متفاحشة ، وتسمية الجنس والثمن لا يصير الجنس معلوما بها ، فإن كل جنس فيه ما يوجد بذلك الثمن ، فلا يقدر الوكيل على تحصيل مقصود الموكل ، وإذا سمى الجنس اشتمل على أنواع مختلفة ، فإن بين الثمن ، أو النوع جاز التوكيل ، وإلا فلا ; لأن بيان مقدار الثمن يصير النوع معلوما .
وإن سواء سمي الثمن ، أو لم يسم وهذا استحسان ، وفي القياس : لا يجوز ما لم يبين الصفة . سمى الجنس والنوع ، ولم يبين الصفة جازت الوكالة
وجه القياس : أن التوكيل بالبيع والشراء معتبر بنفس البيع والشراء ، فلا يجوز إلا ببيان وصفه المعقود عليه ، ألا ترى أنا نجعل الوكيل كالمشتري لنفسه ، ثم البائع من الموكل .
وكان [ ص: 39 ] - رحمه الله - يأخذ بالقياس إلى أن نزل به ضيف فدفع الدراهم إلى إنسان ; ليأتي له برءوس مشوية ، فجعل يصفها له ، فعجز عن علمه بالصفة ، فقال له : اصنع ما بدا لك ، فذهب الرجل ، واشترى الرءوس ، وحملها إلى عياله ، وعاد إلى بشر المريسي بشر بعد ما أكلها مع عياله ، فقال له : أين ما قلت لك عنه ، فقال : قلت لي اصنع ما بدا لك ، وقد بدا لي ما فعلت ، فرجع عن قوله ، وأخذ بالاستحسان .
ووجه الاستحسان ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم { رضي الله عنه ، وأمره بأن يشتري له شاة للأضحية ، ولم يبين صفتها ، حكيم بن حزام } ثم الوكالة عقد مبني على التوسع ، والجهالة في الصفة جهالة مستدركة ، وذلك عفو في العقود المبنية على التوسع ; وهذا لأن الوكالة لا يتعلق بها اللزوم ، والمقصود بها الرفق بالناس ، وفي اشتراط بيان الوصف بعض الحرج ، فسقط اعتباره : أنه دفع دينارا إلى