ولو لم يجز ; لأن بيع العبد من نفسه إعتاق ، [ ص: 48 ] والإعتاق غير البيع ، فإنه إبطال للملك ، والبيع ناقل أو موجب الملك للغير ; أو لأن العتق يوجب الوكالة للموكل ، وهو لم يرض بذلك ، وليس للوكيل أن يلزمه الولاء بغير رضاه ، ولو باعه من قريب العبد جاز ; لأن هذا بيع مطلق ، ثم العتق ينبني عليه ثبوت الملك للقريب بالشراء ، فلا يخرج به البيع من أن يكون مطلقا في حق البائع ، ألا ترى أنه لا يملك الرجوع عن الإيجاب هنا قبل قبول المشتري ، بخلاف بيع العبد من نفسه ; ولأنه لا يلزم الموكل هنا ولاء ، وإنما يلزم ولاؤه للمشتري ، وإن وكله أن يبيعه ، وأمره أن يشهد على بيعه ، فباعه ، ولم يشهد فهو جائز ; لأنه أمره بالبيع مطلقا ، وأمره بالإشهاد كان معطوفا على الأمر بالبيع ، فلا يخرج به الأمر بالبيع من أن يكون مطلقا ، ألا ترى أن الله - عز وجل - أمر بالإشهاد على البيع ، فقال - تعالى - : { وكله ببيع عبد له فباعه من نفسه ، وأشهدوا إذا تبايعتم } ، ثم من باع ، ولم يشهد كان بيعه جائزا .
ولو لم يجز ; لأن حرف الباء للإلصاق ، وإلصاق البيع بالرهن لا يكون إلا بالشرط ، فإنما أمره ببيع مقيد بشرط ، فإذا لم يأت بذلك الشرط كان مخالفا ، وكذلك لو وكله أن يبيعه برهن ثقة بنسيئة ، فباعه بغير رهن ، لم يجز ; لأنه أمره ببيع مقيد ، والذي أتى به بيع مطلق ، والمطلق غير المقيد ، وفي شراء الكفيل والرهن منفعة معتبرة للموكل ، وهو التوثق بحقه ، فليس للوكيل أن يفوت عليه هذه المنفعة ، ألا ترى أن التوكيل بالبيع ، ومن أوجب لغيره بيعا بشرط رهن أو كفيل ، لم يكن له أن يقبل بدون ذلك الشرط ، فهذا مثله ، فإن قال الوكيل : لم يأمرني بذلك فالقول قول الآمر ; لما بينا أن الأدب مستفاد من جهته ، ولو أمره بأن يبيعه من فلان بكفيل ثقة ، فباعه من غير كفيل ، جاز في النصف الذي باع لذلك الرجل في قول وكله أن يبيعه من رجل سماه ، فباعه منه ومن آخر ، - رحمه الله - ولم يجز عندهما ; لأنه في الذي باعه للآخر مخالف ، ألا ترى أنه لو باع الكل من الآخر ، لم يجز بيعه ، فإذا باع من الذي سمى له الموكل والوكيل ببيع النصف عند أبي حنيفة - رحمه الله - فلهذا جاز في ذلك النصف ، أبي حنيفة