[ ص: 106 ] باب ما لا تجوز فيه الوكالة قال رحمه الله وإذا لا يجوز فإن وكله بإقامة البينة على ذلك جاز التوكيل في قول وكل الرجل وكيلا بطلب قصاص في نفس أو فيما دون النفس رحمه الله عند رضا الخصم أو مرضه أو غيبته وعند أبي حنيفة رحمه الله على كل حال وعلى قول محمد رحمه الله لا يجوز التوكيل بذلك ، وجه قوله أن الوكيل يقوم مقام الموكل في دعوى القصاص والقصاص لا يثبت بما يقوم مقام الغير كما لا يثبت بالشهادة على الشهادة وشهادة النساء مع الرجال وهذا لأن هذه عقوبة تندرئ بالشبهات وفيما يقوم مقام الغير ضرب شبهة في العادة وهو إنما يوكل ليحتال الوكيل لإثباته وفي القصاص إنما يحتال لإسقاطه لا لإثباته ألا ترى أن التوكيل باستيفاء القصاص لا يجوز باعتبار أنه يندرئ بالشبهات فكذلك بإثباته وقد ذكر في بعض المواضع قول أبي يوسف رحمه الله كقول محمد رحمه الله ; وجه قول أبي يوسف رحمه الله أنه وكل بما يملك مباشرته بنفسه وإذا وقع الغلط أمكن التدارك والتلافي فصح التوكيل كما في الأموال بخلاف استيفاء القصاص فإنه إذا وقع فيه الغلط لا يمكن التدارك والتلافي . أبي حنيفة
فأما إثبات القصاص فكإثبات سائر الحقوق من حيث إنه إذا وقع فيه الغلط أمكن التدارك والتلافي وعلى هذا الخلاف إذا وكل المطلوب بالقصاص وكيلا بالخصومة في دفع ما يطالب به وكلام رحمه الله في هذا الفصل أظهر لأن دفع القصاص جائز بمن يقوم مقام الغير ألا ترى أن الشهادة على الشهادة وشهادة النساء مع الرجال في العفو صحيحة ولكن هذا أبي حنيفة لم يصح إقراره استحسانا وفي القياس يصح لأنه قام مقام الموكل بعد صحة التوكيل ألا ترى أن في سائر الحقوق جعل إقراره كإقرار الموكل وكذلك في القصاص وفي الاستحسان يقول إقرار الوكيل قائم مقام إقرار الموكل والقصاص لا يستوفى بحجة قائمة مقام غيرها ، توضيحه : أنا حملنا التوكيل على الجواب لأن جواب الخصم من الخصومة ولكن هذا نوع من المجاز فأما في الحقيقة فالإقرار ضد الخصومة فيصير ذلك شبهة فيما يندرئ بالشبهات دون ما يثبت مع الشبهات وكذلك في الوكيل لو أقر في مجلس القضاء بوجوب القصاص على موكله أو دفعه من جهة القاذف فأما التوكيل بإثبات حد القذف فقد طلب بالإنفاق لأن المقصود إثبات [ ص: 107 ] المال والمال يثبت مع الشبهات ألا ترى أن بالشهادة على الشهادة وشهادة النساء مع الرجال تثبت فأما التوكيل بإثبات الحد فهو على الخلاف الذي بينا التوكيل بإثبات المال في السرقة