ولو فهو جائز ; لأن ما وقع عليه الصلح منفعة معلومة ببيان المدة فإن أجره من الذي صالحه جاز في قول ادعى رجل سقفا في دار في يد رجل فصالحه منه على سكنى بيت من هذه الدار معلوم عشر سنين رحمه الله ولم يجز في قول أبي يوسف رحمه الله وهذا بناء على الفصل المتقدم أن عند محمد رحمه الله استحقاق هذه المنفعة بالصلح كاستحقاقها بالإجارة ولهذا قال : يبطل الصلح بموت أحدهما كما تبطل الإجارة ، ثم المستأجر إذا أجر المؤجر من الآخر لا يجوز فكذلك هنا إذا أجره من الذي صالحه لا يجوز وعند محمد رحمه الله استحقاقه هذه المنفعة باعتبار ملكه بناء على زعمه لا باعتبار العقد فكما يملك الاعتياض عنه مع غير الذي صالحه بالإجارة منه فكذلك يملك مع الذي صالحه ولهذا قال أبي يوسف رحمه الله إن وارثه يخلفه بعد موته في استيفاء هذه المنفعة ولا يبطل الصلح بموت أحدهما ، ثم على قول أبو يوسف رحمه الله إذا استأجر الذي كان في يديه فكان عنده حتى مضى الأجل لم تجب عليه الأجرة ولكن يبطل الصلح ويعود المدعي على دعواه لفوات المعقود عليه في ضمانه قال ولو باع هذا السكنى بيعا من رجل لم يجز بيع السكنى وهذا فصل مشترك فإن لفظ البيع يملك به الرقبة وملك الرقبة سبب لملك المنفعة فكان ينبغي أن يجوز استعارة لفظ البيع لتمليك المنفعة به مجازا كما أنه يجوز النكاح بلفظ الهبة والبيع بهذا الطريق وزعم بعض أصحابنا رحمهم الله أن تأويل هذه المسألة فيما إذا أطلق البيع في السكنى وبين المدة وإنما يفسد لترك بيان المدة كما لو صرح بلفظ الإجارة ( قال رحمه الله ) والأصح عندي أن الجواب مطلق على ما قال في الكتاب محمد
وإنما [ ص: 161 ] امتنع جواز بيع السكنى لانعدام المحل لا لفساد الاستعارة فالمنفعة معدومة في الحال وإيجادها ليس في مقدور البشر والمعدوم لا يكون محلا لإضافة العقد إليه فالشرع أقام الموجود وهو الدار المنتفع بها مقام المنفعة في جواز إضافة عقد الإجارة إليها فأما لفظ البيع إن أضيف إلى الدار فهو تمليك لعينها ، وإن أضيف إلى المنفعة فالمعدوم لا يكون محلا لإضافة العقد إليه سواء كانت الإضافة بلفظ الإجارة أو بلفظ البيع حتى لو قال الحر لرجل بعتك نفسي شهرا بكذا لعمل فهذه إجارة صحيحة قال : فكذلك لو صالحه الذي كانت الدار في يده من هذه السكنى على دراهم فهو جائز ; لأنه لو صالحه في الابتداء على الدراهم يجوز فكذلك إذا صالحه على سكنى معلومة ، ثم منها على دراهم وهذا على أصل رحمه الله ظاهر ; لأنه لو استأجره منه بدراهم جاز فكذلك إذا صالحه أبي يوسف رحمه الله يقول : الصلح يمكن تصحيحه بطريق إسقاط الحق فأما الإجارة فلا يمكن تصحيحها إلا بطريق التمليك وإذا كان يتملك هو عليه المنفعة بجهة المعاوضة فيملك أن يملكه منه بمثل تلك الجهة ، وكذلك لو صالحه من الدراهم على دنانير وقبضها فهو جائز ; لأن المصالح عليه إذا كان نقدا فهو كالثمن ومحمد
والاستبدال بالثمن قبل القبض جائز لكن بشرط قبض الدنانير قبل الافتراق ; لأن النقد صرف ولأنه لو فارقه قبل القبض كان افترقا عن دين بدين ولو قبض البعض ثم تفرقا جاز بمقدار ما قبض ويرجع بحصة ما بقي من الدراهم اعتبارا للبعض بالكل قال والإقرار من المدعي للذي في يديه الشيء به على وجه الصلح لا يمنعه من الدعوى إذا بطل الصلح بوجه من الوجوه لما بينا أن الإقرار إن ثبت فإنما يثبت ضمنا للصلح وما يثبت ضمنا للشيء يبقى ببقائه ويبطل ببطلانه كالوصية بالمحاباة في ضمن البيع والإقرار به من الذي هو في يديه عند الصلح للمدعي يوجب رده عليه إذا بطل الصلح ; لأنه إقرار مقصود وكان يجب العمل به قبل تمام الصلح فكذلك بعد بطلان الصلح قال : وكل شيء وقع الصلح عليه مما لو استحق رجع بقيمته فله أن يبيعه قبل أن يقبضه بمنزلة الصداق وبدل الخلع والصلح عن دم العمد ; لأنه لم يبق في الملك المطلق للتصرف عذر يمكن التحرز عنه فإن ملكه لا يبطل بالهلاك ولكن يتحول إلى القيمة وكل شيء يرجع فيه على دعواه فليس له أن يبيعه قبل القبض لبقاء الغرر في الملك المطلق للتصرف كما في البيع وفي العقار الخلاف معروف في جواز البيع قبل القبض وقد بيناه في البيوع فكذلك إذا وقع الصلح عليه