( قال رحمه الله : ) فهو جائز بمنزلة ما لو باع العبد منه بثمن حال أو مؤجل جاز سواء قل الثمن أو كثر ، فإن كان العبد مستهلكا فأقام الغاصب البينة أن قيمته أقل مما صالحه عليه بكثير لم تقبل بينته في قول رجل غصب عبدا من رجل ، ثم صالحه صاحبه من قيمته على دراهم مسماة حالة أو إلى أجل رحمه الله ، وقال أبي حنيفة أبو يوسف رحمه الله : تقبل بينته ويرد زيادة القيمة على الغاصب إن كان العبد مستهلكا وقت الصلح ، وإن كان قائما فالصلح ماض .
وأصل المسألة أن يجوز في قول الصلح عن المغصوب الهالك على أكثر من قيمته ، ولا يجوز في أبي حنيفة قولهما ومن أصحابنا رحمهم الله من يقول موضع الخلاف إذا كان العبد آبقا ، فأما إذا كان [ ص: 56 ] مستهلكا حقيقة ، فلا خلاف أن الصلح على أكثر من قيمته من النقود لا يجوز ، حتى إذا تصادقا على أن ما وقع عليه الصلح أكثر من القيمة يجب رده ولكن اختلفا فيه رحمه الله يقول : لا أقبل بينة الغاصب على أن قيمته دون ما وقع عليه الصلح ; لأن إقدامه على الصلح إقرار منه أن قيمته هذا المقدار أو أكثر منه فيكون هو مناقضا في دعواه بعد ذلك ويكون ساعيا في نقض ما تم به ، فلا يقبل ذلك منه ، فأبو حنيفة وهما يقولان قد يخفى عليه مقدار القيمة في الابتداء أو يعلم ذلك ، ولا يجد الحجة لغيبة شهوده ، فإذا ظهر له ذلك أو حضر شهوده وجب قبول بينته على ذلك ; لأنه يقصد به إثبات حقه في استرداد الزيادة كالمرأة إذا خالعت زوجها ، ثم أقامت البينة أنه كان طلقها زوجها ثلاثا قبل الخلع ، والأصح عندي أن هذا كله يخلف ، فإن الصلح جائز عند رحمه الله : على أكثر من قيمة المغصوب ، وإن كان مستهلكا وتصادقا أن ما وقع الصلح عليه أكثر من القيمة أبي حنيفة وعندهما لا يجوز وحجتهما في ذلك أن الواجب على الغاصب بعد هلاك العين القيمة ، وهي مقدرة من النقود شرعا ، فإذا صالح على أكثر منها من جنس النقود كان ربا كما لو قضى القاضي بالقيمة ، ثم صالحه على أكثر من القيمة . والدليل على أن الواجب هو القيمة وأن ما يقع عليه الصلح بدل عن القيمة أنه لو صالحه على طعام موصوف في الذمة إلى أجل لا يجوز .
ولو لجاز ; لأن الطعام الموصوف بمقابلة العبد عنه وبمقابلة القيمة يكون مبيعا . وقاسا هذا بشريكين في عبد إذا أعتق أحدهما نصيبه ، وهو موسر فيضمنه الآخر وصالحه على أكثر من نصف القيمة ، فإنه لا يجوز ; لأن الواجب نصف القيمة شرعا ، وكذلك لو كان ما يقع عليه الصلح بدلا عن العبد لم يجز لهذا المعنى ، وإذا كان المعتق معسرا فصالح الساكت العبد على أن استسعاه في أكثر من نصف القيمة لم يجز ; لأن العوض تقدر شرعا بما أعطاه المشتري فلم تجز الزيادة عليه ، قضي للشفيع بالشفعة بأكثر من الثمن الذي اشترى به المشتري فرضي الشفيع بذلك رحمه الله طريقان : أحدهما : أن المغصوب بعد الهلاك باق على ملك المغصوب منه ما لم يتضرر حقه في ضمان القيمة بدليل أنه لو اختار ترك التضمين بقي العبد مملوكا على ملكه حتى تكون العين عليه ، وإن كان آبقا فعاد من إباقه كان مملوكا له ، ولو كان اكتسب كسبا كان له أن يأخذ كسبه ، ولو كان نصب سكة فيعقل بها سيده بعد موته كان للمغصوب منه ، وإنما يملك الكسب بملك الأصل ، وهذا لأنه إذا أبرأ الغاصب من إباقه يجعل القول قول الغاصب ولأن الغاصب هو المشتري للعبد بهذا الصلح ، فإذا قال : هو [ ص: 57 ] عندي فقد أقر أنه محل البيع وأنه يصير قابضا له بنفس الشراء فيمكن تصحيح هذا الصلح بينهما شراء . ولأبي حنيفة
( ألا ترى ) أن شراء الآبق لا يجوز ، فإن قال المشتري هو عبدي فقد أخذته ، ثم اشتراه جاز فكذلك المغصوب .