[ ص: 104 ] باب رهن الحيوان ) قال ( رحمه الله ) جائز ، بخلاف ما يقوله بعض العلماء ( رحمهم الله ) أن الحيوان عرضة للهلاك فهو بمنزلة ما يسرع إليه الفساد ، وما يسرع إليه الفساد ، كالخضر لا يجوز رهنه ، ودليلنا على جوازه قوله صلى الله عليه وسلم : الرهن مركوب ومحلوب ، ولأنه مال متقوم يجوز بيعه ، ويمكن استيفاء الدين من ماليته عند تعذر استيفائه من محل آخر ، فهو كسائر الأموال ، وما من شيء إلا وهو عرضة للفناء في وقته ثم علفه ، وطعام الرقيق على الراهن ; لأن وجوب النفقة على الملك بسبب ملك العين ، فالراهن بعد عقد الرهن مالك للعين ، كما كان قبله ، وفي كون الرهن في يد المرتهن منفعة للراهن فإنه يصير بهلاكه قاضيا لدينه ، فيكون بمنزلة الوديعة ، والمؤجر بخلاف المستعار ، والموصى بخدمته ; لأنه لا منفعة للمالك في كون العين في يد المستعير والموصى له ، وإنما تخلص المنفعة لهما ، فتكون المنفعة عليهما فلهذا لا يرجعان بضمان الاستحقاق بخلاف المرتهن ( توضيحه ) : أن الإعارة لا يتعلق بها اللزوم فيقال للمستعير : إن ثبت فأنفق عليه ، وانتفع به ، وإلا فرده ، والوصية بالعين ، وإن كان يتعلق بها اللزوم فلم يأت ذلك بإيجاب من الوارث فلا يلزمه نفقة في حال كونه ممنوعا من الانتفاع به وإثبات اليد عليها . رهن الحيوان المملوك بالدين
وأما الرهن فإنما يثبت للمرتهن فيه حق لازم بإيجاب الرهن ، فلا يكون ذلك مسقطا للنفقة عنه ، وإن كانت يده مقصورة عنه كالمستأجر ، وكذلك أجر الراعي فهو بمنزلة العلف ; لأنه إنما يلتزم بمقصود الراعي فيكون على المالك ، وعلى المرتهن أن يضمها إليه إما في منزله ، وإما في منزل يتكارى له ، وليس على الراهن من ذلك شيء ; لأن الحفظ على المرتهن ، ولا يتأتى حفظه إلا في منزل فمؤنته تلك تكون على المرتهن ، وهذا ; لأنه في الحفظ عامل لنفسه ; لأنه يقصد به إضجار الراهن ، ولأن موجب الرهن ثبوت يد الاستيفاء ، وما يكون موجب العقد ، فهو حق المرتهن وعن ( رحمه الله ) قال : إن كان في منزل المرتهن سعة ، فالجواب كذلك ، وإن احتاج إلى أن يتكارى له منزلا ، فالكراء على الراهن ; لأن أجرة المسكن كالنفقة . أبي يوسف
( ألا ترى ) أنه على الزوج كالنفقة وإن ; لأن المالية انتقصت بما اعترض ، وبحسب ذلك يسقط من دين المرتهن ببرء المعالجة إعادة ما كان سقط من الدين أو أشرف على السقوط ، وهو محض منفعة للمرتهن ، والمداواة [ ص: 105 ] لا تكون قياس النفقة . أصاب الرقيق جراحة أو مرض أو دبرت الدواب ، فإصلاح ذلك ، ودواؤه على المرتهن
( ألا ترى ) أن نفقة الزوجة على الزوج ، وأجرة الطبيب ، وثمن الدواء إذا مرضت عليها في مالها ، لا شيء على الزوج من ذلك ، وهذا إذا كانت قيمة الرهن والدين سواء ، فإن كان الدين أقل من القيمة فالمعالجة على الراهن والمرتهن بحساب ذلك ; لأن تقدر الدين من الرهن مضمون على المرتهن ، والزيادة على ذلك أمانة ، ومعالجة الأمانة على صاحبها ، وهذا ; لأن بالإصلاح ينتفع المرتهن في المضمون منه ، وفي الأمانة المنفعة للراهن وهو نظير الفداء من الجناية بقدر المضمون من الرهن والفداء على المرتهن ، وبقدر الأمانة على الراهن ، ونقصان السعر ، وزيادته لا يغير حكم الرهن ، والاعتبار بقيمته يوم رهن ; لأن تغير السعر ، لا يؤثر في العين ، إنما هو منوط برغائب الناس فيه ، وذلك يختلف باختلاف الأوقات ، والأمكنة فلا يكون مضمونا على المرتهن توضيحه : أن نقصان السعر غير معتبر في ضمان العقود ، كالمبيع ، فإن نقصان سعره لا يسقط شيئا من الثمن ولا يثبت الخيار للمشترى ، وكذلك ضمان المقبوض كالمغصوب ، فنقصان سعره في يد الغاصب لا يلزمه شيئا من الضمان ، وضمان الرهن لا بد أن يعتبر بأحد هذين الضامنين .
وعن رحمه الله أن بقدر ما ينتقص من سعر المرهون يسقط من الدين وقاس ذلك بنقصان العين من حيث إن الضمان الثابت بالرهن باعتبار المالية دون العين فإن ضمان الاستيفاء ، والمالية ينتقص بنقصان السعر ، كما ينتقص بنقصان العين ، بخلاف سائر الضمانات ، فضمان الغصب ضمان العين ، ولهذا يملك العين به ، وكذلك ضمان البيع ، ونقصان السعر لا يؤثر في العين . زفر
وإن سقط ربع الدين لحديث " ذهبت عين الدابة عند المرتهن ، وقيمتها مثل الدين قال : في عين الدابة ربع قيمتها " يعني : إذا فقئت ، وهذا بخلاف عين الآدمي ، فإن بذهاب عينه يسقط نصف الدين ; لأن الانتفاع بالدواب من حيث الحمل والركوب ، وذلك يمسها ، وإنما يأتي ذلك بأن تمشي بقوائمها ، وتبصر بدلها على ذلك ، وحصة العينين من ذلك النصف ، فبفوات أحدهما يذهب الربع . زيد بن ثابت
وأما البصر في الآدمي فمقصود بنفسه ، والبطش كذلك ، والمشي كذلك ، فيجعل كل جنس بمنزلة النفس ، فبذهاب إحدى العينين يجعل نصف النفس كالفائت حكما لهذا المعنى ، ولبن الناقة رهن معها ، وكذلك ; لأن هذه زيادة مستولدة من العين ، بخلاف ما على الأرض ، والدار تؤاجر ; لأن ذلك ليس بمتولد من غير الرهن فلا يثبت فيه حكم الرهن ، وإن هلكت هذه الزيادة لم يسقط شيء من الدين لانعدام [ ص: 106 ] السبب الموجب للضمان فيها ، وهو القبض مقصودا ثم لا خلاف أن أصواف الغنم ، وأسمانها ، وأولادها ، وثمرة الأشجار ، وما ينبت من الأشجار في أرض الرهن رهن لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن قرض جر منفعة ، ولو تمكن من الانتفاع أدى إلى ذلك ولأن المنفعة إنما تملك بملك الأصل ، والأصل مملوك للراهن فالمنفعة تكون على ملكه لا يستوفيها غيره إلا بإيجابها له ، وهو بعقد الرهن أوجب ملك اليد للمرتهن لا ملك المنفعة ، فكان ماله في الانتفاع بعد عقد الرهن كما كان قبله ، وكذلك المرتهن لا يملك الانتفاع بالرهن بدون إذن الراهن عندنا وقال الراهن لا ينتفع بالمرهون بغير إذن المرتهن ( رحمه الله ) فيما يمكنه الانتفاع به مع بقاء عينه : للراهن أن ينتفع به بدون إذن المرتهن ، والمسألة في الحقيقة بناء على الأصل الذي بينا : أن عندنا دوام يد المرتهن يوجب عقد الرهن ، والانتفاع به يفوت هذا الواجب ; لأنه يعيده إلى يده لينتفع به ، وعنده يوجب الرهن حق المطالبة بالبيع في الدين عند حلول الأجل ، وذلك لا يفوت بانتفاع الراهن به ثم الحجة له في المسألة حديث الشافعي { أبي هريرة } . أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : المرهون مركوب ، ومحلوب ، وعلى من يركبه ، ويحلبه نفقته
ولا شك أن النفقة على الراهن فعرفنا أنه مركوب ومحلوب للراهن ، والمعنى فيه : أن عقد الرهن لا يزيل الملك في الحال ولا في ثاني الحال ، ولكن يوجب للمرتهن حقا ، فكل تصرف من الراهن يقدره يبطل حق المرتهن ، فهو باطل ، كالبيع ، والراهن من غيره ، وكل تصرف لا يؤدي إلى إبطال حق المرتهن فالراهن يملكه باعتبار ملكه ، وهذا كالنكاح ، فإنه لا يزيل ملك المولى عن الأمة ، ولكن يوجب للزوج منها حقا ، فكل تصرف يؤدي إلى إبطال حقه كالوطء ، والتزوج من الغير يمنع المولى منه ، وكل تصرف لا يؤدي إلى إبطال حق الزوج ، كالبيع ، والهبة لا يمنع المولى منه ، والاستيلاد لا يزيل ملك المولى ، ويوجب لها حقا ، وكل تصرف يؤدي إلى إبطال حق لها ، كالبيع يمنع المولى منه ، وكل تصرف لا يؤدي إلى إبطال حقها كالوطء ، والتزويج لا يمنع المولى منه ، ثم بدليل أنه لو انتفع به بإذن المرتهن بقي عقد الرهن ، وحق المرتهن ، ولو كان هذا مبطلا حقه لكان يبطل حقه عن العين ، وإن حصل بإذنه كالبيع ، ولأن الرهن وثيقة بالدين ، فلا يمنع المالك من الانتفاع بالملك ، كالكتابة . الانتفاع لا يؤدي إلى إبطال حق المرتهن
والدليل عليه : أن الراهن أحق ببدل المنفعة ، وهو الكسب ، والغلة ، فذلك دليل على أنه أحق بالمنفعة أيضا ، وعقد الرهن عقد مشروع ، وبالإجماع المرتهن لا يتمكن من الانتفاع به فلو قلنا يمتنع على الراهن الانتفاع به لتعطلت العين عن الانتفاع بسبب هذا العقد ، وذلك مشبه تسييب أهل الجاهلية ، فيكون خلاف المشروع إلا أنه [ ص: 107 ] إنما ينتفع بالرهن إذا كان الدين مؤجلا .
وأما إذا كان الدين حالا فللمرتهن أن يمنعه عن ذلك لاستحقاق المطالبة ببيعه في دينه في المال ، وهو كالبيع فإن البائع يمنع المشتري من الانتفاع به إذا كان الثمن حالا ، ولا يمنعه إذا كان الثمن مؤجلا واختلف أصحاب ( رحمهم الله ) في الإجارة فمنهم من يقول للراهن أن يؤاجره ، كما له أن ينتفع به بنفسه ، ومنهم من يقول ليس له ذلك ; لأن ذلك مبطل لحق المرتهن ، بدليل أنه لو فعله بإذن المرتهن بطل الرهن ، الشافعي