ولو قال يجزئ أهل المسجد الجامع ; لأن خليفته مستجمع لشرائط الجمعة وقد صلى بأهل المصر ولا يجزئه صلاته إلا أن يكون علم الناس بذلك بأن أذن لهم إذنا عاما في الصلاة معه فحينئذ يجوز ; لأنه لا يكون مستجمعا شرائط الجمعة إلا بذلك . أمر الأمير إنسانا فصلى بالناس الجمعة في المسجد الجامع وانطلق في حاجة له ثم دخل المصر في بعض المساجد فصلى الجمعة
( قال ) وهذا إقامة الجمعة في موضعين : واختلفت الروايات في فالصحيح من قول إقامة الجمعة في موضعين في مصر واحد أبي حنيفة رحمهما الله تعالى أنه يجوز إقامة الجمعة في مصر واحد في موضعين وأكثر من ذلك وعن ومحمد رحمه الله تعالى فيه روايتان في إحدى الروايتين تجوز في موضعين ولا تجوز في أكثر من ذلك وفي الرواية الأخرى لا يجوز إقامة الجمعة في مصر واحد في موضعين إلا أن يكون في وسط المصر نهر عظيم كما هو أبي يوسف ببغداد فحينئذ يكون كل جانب في حكم مصر على حدة [ ص: 121 ] ووجه هذه الرواية أن في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم والخلفاء بعده فتحت الأمصار ولم يتخذ أحد منهم في كل مصر أكثر من مسجد واحد لإقامة الجمعة ولو جاز إقامتها في موضعين جاز في أكثر من ذلك فيؤدي إلى القول بأن يصلي أهل كل مسجد في مسجدهم ، وأحد لا يقول بذلك ، وفي تجويز إقامة الجمعة في موضعين في مصر واحد تقليل الجماعة وإقامة الجمعة من أعلام الدين فلا يجوز القول بما يؤدي إلى تقليلها . ووجه الرواية الأخرى أن المصر قد يكون متباعد الجوانب فيشق على الشيوخ والضعفاء التحول من جانب إلى جانب لإقامة الجمعة فلدفع هذا العسر جوزنا إقامتها في موضعين والأصل فيه حديث رضي الله عنه حين خرج يوم العيد إلى الجبانة استخلف من يصلي بالضعفة في المسجد الجامع ، وما ثبت بالضرورة يتقدر بقدرها وهذه الضرورة ترتفع بتجويزها في موضعين فلا نجوزها في أكثر من ذلك ، وجه قول علي أبي حنيفة رحمهما الله تعالى قول النبي صلى الله عليه وسلم { ومحمد } فإنما شرط لإقامة الجمعة المصر الواحد وهذا الشرط في حق كل فريق ولأن الحرج مدفوع وفي القول بأنه لا تجوز إقامتها إلا في موضع واحد معنى الحرج ومعنى تهييج الفتنة ، فقد يكون بين أهل مصر واحد اختلاف على وجه لو اجتمعوا في موضع كان ذلك سببا لتهييج الفتنة وقد أمرنا بتسكينها فلهذا جوزنا إقامتها في موضعين وأكثر من ذلك . لا جمعة ولا تشريق إلا في مصر جامع
ولو فصلاة الفريقين جائزة ; لأن فناء المصر في حكم جوف المصر فكان هذا وما لو صلى الإمام في جوف المصر سواء ثم المصر كما يشترط لإقامة الجمعة يشترط لإقامة صلاة العيد وهو إنما يؤدي في الجبانة على غلوة من المصر أو أكثر من ذلك فكذلك تجوز إقامة الجمعة في مثل هذا الموضع . خرج الإمام يوم الجمعة إلى الاستسقاء وخرج معه ناس كثير وخلف إنسانا فصلى بهم في المسجد الجامع وصلى هو بمن معه الجمعة في الجبانة وهو على غلوة من المصر
فإن قيل أليس في حق المسافر هذا الموضع في حكم المفازة لا في حكم جوف المصر حتى إن من خرج من أهل هذا المصر على نية السفر يصلي صلاة المسافرين في هذا الموضع ومن قدم مسافرا من أهل هذا المصر فانتهى إلى هذا الموضع صلى صلاة المسافرين أيضا فكذلك في حق إقامة الجمعة ينبغي أن يجعل هذا الموضع بمنزلة المفازة
قلنا فناء المصر موضع معد لحوائج أهل المصر بإقامتهم في المصر لا بإقامتهم في فنائها وإنما يتغير فرض المسافر بالإقامة فيعتبر فيه موضع الإقامة وهو ما بين الأبنية ، وأما إقامة صلاة الجمعة والعيدين [ ص: 122 ] من حوائج أهل المصر وهذا موضع معد لذلك فيجعل في حق هذا الحكم فناء المصر كجوف المصر .