وإن بدئ بالمضاربة ; لأنه أقر بها بعينها فبنفس الإقرار صارت العين مستحقة لرب المال ، فلا يتغير ذلك بما يعطف عليه الإقرار بوديعة غير معينة بالدين . قال هذه الألف مضاربة لفلان عندي ، ولفلان عندي وديعة كذا ، ولفلان كذا من الدين
ولو لم يقر بها بعينها كان جميع مال المضاربة بين صاحب الدين وصاحب الوديعة وصاحب المضاربة بالحصص ; لأن إقراره بأمانة غير معينة بمنزلة إقراره بالدين .
ولو ، كان ما تركه المضارب بين رب المال والغريم بالحصص ; لأنه حين لم يوجد في الصندوق شيء فقد ظهر أن تعيينه كان لغوا بقي إقراره بمضاربة غير معينة وبالدين . قال : لفلان عندي ألف درهم مضاربة وهي في هذا [ ص: 143 ] الصندوق ، ولفلان علي ألف درهم فلم يوجد في الصندوق شيء
ولو وجد في الصندوق ألف كان رب المال أحق بها ; لأن تعيينه كان صحيحا ، فإن التعيين وجد منه قبل الإقرار بالدين ، فكأنه أقر ابتداء بالمضاربة بعينها ، فإن قيل : كان ينبغي أن يقال إذا لم يوجد في الصندوق شيء أن لا يكون لرب المال شيء لفوات محل حقه ، قلنا : هذا أن لو صح تعيينه مع فراغ الصندوق عنه ، ولم يصح ذلك بل هو تجهيل منه ، والمضارب بالتجهيل ضامن .
وقال في المضاربة الصغيرة : إذا لم يشهد الشهود أن هذه الألف كانت في الصندوق يوم أقر جعلناها بين الغرماء ورب المال بالحصص ، والقياس ما قاله ثمة ; لأن الموجود من المضارب تعيين الصندوق ، ولم يوجد منه تعيين مال المضاربة إذا لم يعلم أن الألف كانت في الصندوق يومئذ ، وطريق العلم به شهادة الشهود ، وما ذكر هنا استحسان ; لأن الصندوق محل لما فيه من المال فتعيينه كتعيين المال ; فلهذا كان رب المال أحق بها .
ولو وجد في الصندوق ألفان فلرب المال ألف منها خاصة ، والباقي بين الغرماء ; لأن تعيينه صحيح لما وجد في الصندوق من جنس حق رب المال مقدار حقه وزيادة ، وسواء كانت الألفان مخلطة أو غير مخلطة ; لأن المضارب أمين في مال المضاربة ، واختلاط الأمانة بمال الأمين من غير صنعه لا يكون موجبا للضمان ، فإن علم أن المضارب هو الذي خلط المال بغير أمر رب المال ; كان المال كله بينهم بالحصص في قول ، وفي قول أبي حنيفة أبي يوسف نصفه لرب المال ، ونصفه للغرماء وهو بناء على ما تقدم بيانه : أن الأمين إذا خلط الوديعة بمال نفسه صار مستهلكا للمخلوط ، وصارت الأمانة دينا عليه عند ومحمد - رحمه الله - فيكون رب المال صاحب دين كغيره من الغرماء ، وأما عندهما فبالخلط يصير ضامنا ، ولكن لا يصير متملكا فلرب المال أن يرضى بالخلط ويختار المشاركة فيأخذ نصف المخلوط برأس ماله ، ونصفه للغرماء . أبي حنيفة