ولو ، فأراد المضارب أن يأخذ الدار بالشفعة لنفسه لم يكن له ذلك ، وإنما يأخذها على المضاربة أو يدع ; لأن حق رب المال أصل ، وحق المضارب تبع وهو متمكن من أخذها بما هو الأصل ، والتبع لا يظهر مع ظهور الأصل وهذا ; لأن في أخذها للمضاربة مراعاة الحقين جميعا : حق رب المال ، وحق المضارب وفي أخذها لنفسه إبطال حق رب المال ، وليس للمضارب أن يقدم حق نفسه في الربح ، ويبطل حق رب المال فتسلم المضارب الشفعة فأراد رب المال أن يأخذها بالشفعة لنفسه ، لم يكن له ذلك ; لأن المضارب إذا كان متمكنا من الأخذ بالشفعة يصح منه التسليم في حق نفسه وفي حق رب المال جميعا ، فإن التسليم من التجارة كالأخذ ، قيل : هذا قول اشترى المضارب ببعض المال دارا في قيمتها فضل على رأس المال فباع رجل إلى جنبها دارا ، وفي يد [ ص: 147 ] المضارب من مال المضاربة مثل ثمن الدار التي بيعت إلى جنب دار المضاربة ، أبي حنيفة - رحمهما الله - فأما عند وأبي يوسف - رحمه الله - فينبغي أن لا يصح تسليمه في حق رب المال ، كما في الأب والوصي إذا سلما شفعة الصبي ، والأصح أن هذا قولهم جميعا ; لأن فيما هو من صنيع التجار ، المضارب نائب عن رب المال على الإطلاق ، وتسلم الشفعة من صنيع التجار . محمد
ولو لم يكن في يد المضارب من مال المضاربة شيء يأخذ به الدار التي بيعت كان له أن يأخذها بالشفعة لنفسه ; لأنه غير متمكن من أخذها للمضاربة هنا ; لأنه لو أخذها للمضاربة كان استدانة منه على المال ، والمضارب لا يملك ذلك فإذا لم يثبت له الحق باعتبار الأصل ظهر حكم التبع ، وهو أنه جار للدار المبيعة بملكه في نصيبه من الربح ، فيكون له أن يأخذ بالشفعة لنفسه ، وإن لم يكن فيها فضل على رأس المال لم يكن للمضارب أن يأخذها لنفسه ; لأنه لا ملك له فيها وإنما جواره من حيث اليد دون الملك وبه لا يستحق الشفعة ، وإن أراد رب المال أن يأخذها لنفسه فله ذلك ; لأن ما في يد المضارب ملك لرب المال حقيقة ، فيكون به جارا للدار المبيعة ، فإن سلم المضارب الشفعة فتسليمه باطل ، ورب المال على شفعته ; لأن تسليم الشفعة إنما يصح ممن يكون متمكنا من الأخذ بالشفعة ، والمضارب هنا لم يكن متمكنا من الأخذ فليس له تسليم الشفعة .
ولو فلهما أن يأخذاها نصفين ; لأن كل واحد منهما جار لها بملكه في حصته من دار المضاربة ، واستحقاق الشفعة باعتبار عدد رءوس الشفعاء لا باعتبار مقدار الأنصباء ، فإن سلم أحدهما كان للآخر أن يأخذها كلها ; لأن لكل واحد من الشفيعين سببا تاما لاستحقاق جميع الدار المبيعة ، ولكن [ ص: 148 ] للمزاحمة عند طلبهما يأخذ كل واحد منهما النصف ، فإذا انعدمت هذه المزاحمة بتسليم أحدهما ، كان للآخر أن يأخذها كلها ، فإن كان في الدار التي من المضاربة فضل على رأس المال ، وليس في يد المضارب من مال المضاربة شيء فأراد المضارب ورب المال أن يأخذ الدار المبيعة إلى جنب دار المضاربة بالشفعة لأنفسهما لم يكن له ذلك ; لأن حق المضاربة في هذه الدار هو الأصل قبل القسمة ; لما في الأخذ للمضاربة من مراعاة الحقين ، وفي أخذ أحدهما لنفسه إبطال حق الآخر وإذا كان الأخذ باعتبار الحق الأصلي ممكنا يوجب ترجيح ذلك ، فيكون للمضارب أن يأخذها للمضاربة ، وليس لواحد منهما أن يأخذها لنفسه ، فإن سلم المضارب الشفعة ; لم يكن لواحد منهما أن يأخذها بالشفعة بعد ذلك ; لأن المضارب كان متمكنا من أخذه لهما ، فيعمل تسليمه أيضا في حقهما ، أرأيت لو أخذها للمضاربة ، ثم باعها من الذي أخذها منه ، أو ردها عليه بحكم الإقالة أما كان يصح ذلك منه في حق رب المال فكذلك إذا ردها عليه بتسليم الشفعة له . كان بقي في يد المضارب من المضاربة قدر ثمن الدار التي بيعت فأراد المضارب ، أو رب المال أن يأخذها بالشفعة
ولو فلهما ذلك ; لأن سبب الاستحقاق لكل واحد منهما يتقرر بالقسمة ، ولا ينعدم ، فإن السبب كونه جارا للدار المبيعة بملكه في دار المضاربة ، وبالقسمة يتقرر ملك كل واحد منهما ، إلا أن حق المضاربة كان مقدما ، فإذا انعدم ذلك بقسمتها كان لكل واحد منهما حق الأخذ لنفسه ، بالشفعة كالشريك إذا سلم الشفعة فللجار أن يأخذها ، فإن طلباها جميعا فهي بينهما نصفان ، وأيهما سلم أخذ الآخر الدار كلها ; لما قلنا . لم يعلم المضارب بالشفعة حتى تناقضا المضاربة واقتسما الدار التي من المضاربة على قدر رأس المال والربح ، ثم أرادا أن يأخذا الدار المبيعة بالشفعة لأنفسهما