قال - رحمه الله - : وإذا فالمزارعة فاسدة من أيهما كان البذر ، والأصل أن العمل الذي به يحصل الخارج أو يتربى في المزارعة الصحيحة يكون على العامل ، وذلك بمنزلة الحفظ والسقي إلى أن يدرك الزرع ; لأن المزارعة على قول من يجيزها شركة في الخارج ، ورأس مال العامل فيها عمل مؤثر في تحصيل الخارج ، كما في المضاربة وما يكون من العمل بعد الإدراك التام إلى أن يقسم كالحصاد والدياس والتذرية يكون عليهما ; لأن الخارج ملكهما فالمؤنة فيه عليهما بقدر الملك ، وما يكون من العمل بعد القسمة كالحمل إلى البيت والطحن يكون على كل واحد منهما في نصيبه خاصة ; لأن بالمقاسمة تميز ملك أحدهما عن ملك الآخر ، فيكون التدبير في ملك كل واحد منهما إليه ، فإذا شرطا الحصاد على العامل فهذا لا يقتضيه العقد وفيه منفعة لأحد المتعاقدين فيفسد به العقد ، كما لو شرط رب الأرض الحمل ، والطحن عليه في نصيب نفسه ; ولأن المزارعة تنتهي باستحصاد الزرع . اشترط رب الأرض على العامل الحصاد
( ألا ترى ) أن الزرع بعد ما استحصد لو دفعه معاملة إلى رجل ليقيم فيه هذه الأعمال بالثلث لم يجز ، بخلاف ما إذا كان الزرع بقلا فدفعه معاملة إلى من يحفظه ويسقيه بالثلث فإذا شرط الحصاد على العامل فهذا عمل شرط عليه بعد انتهاء العقد ، واستحقاق العمل عليه بالعقد ، وكل شرط يوجب عليه عملا بعد انتهاء العقد فهو فاسد يفسد به العقد ، وروى بشر عن وابن سماعة أن العقد لا يفسد بهذا الشرط ، ولكن إن لم يشترطا فهو عليهما ، وإن شرطا فهو على المزارع ; لأن العرف الظاهر أن المزارع يباشر هذه الأعمال ، فهذا شرط يوافق المتعارف فلا يفسد به العقد ولكن بمطلق العقد لا يستحق عليه إلا ما يقتضيه العقد ، فإن شرط ذلك عليه صار مستحقا بالعرف ، كما لو اشترى حطبا في المصر بشرط أن يوفيه في منزله . وفي المعاملة قال : هذا الشرط يفسد المعاملة ; لأنه ليس فيه عرف ظاهر وكان أبي يوسف نصر بن يحيى ومحمد بن سلمة - رحمهما الله - يقولان : هذا كله على العامل شرط عليه أو لم يشرط ; لأن فيه عرفا ظاهرا يتناوله والمعروف كالمشروط فقد جوزنا بعض العقود للعرف ، وإن كان القياس [ ص: 37 ] يأباه كالاستبضاع فهذا مثله وهذا هو الصحيح في ديارنا أيضا . وكان أبو بكر محمد بن الفضل - رحمه الله - إذا استفتي في هذه المسألة قال : فيها عرف ظاهر ، ومن أراد أن لا يتعطل فعليه أن لا يمتنع مما هو العرف ، وكذلك لو اشترطا شيئا من ذلك على صاحب الأرض كان العقد فاسدا لما بينا ، وفي جانب رب الأرض فساد العقد بهذا الشرط على الأقاويل كلها ; لأنه ليس فيه عرف ظاهر .
( ألا ترى ) أن رجلا لو كان جائزا ، ولو عامله بعد ما استحصد على أن يحصده ويدوسه ويذريه وينقيه ويحمله إلى منزله ، أو إلى موضع كذا كان العقد فاسدا وهذا ; لأن المزارعة على قول من يجيزها إنما تكون باعتبار الأثر ، والأثر إنما جاء في مزارعة يكون للعمل فيها تأثير في تحصيل الخارج ، وذلك لا يوجد في الفصل الثاني وفي الفصل الأول يوجد ذلك ; لأن الزرع يزداد بعمل العامل بمنزلة الثمار تخرج بعمل العامل فلهذا صح العقد هناك ، ولم يصح هنا ، ولو دفع إليه أرضا وبذرا على أن يزرعها سنته هذه على أن ما رزق الله تعالى من شيء فهو بيننا نصفان فصار قصيلا فأرادا أن يقصلاه ويبيعاه ، فحصاد القصيل وبيعه عليهما ; لأنهما أنهيا العقد بما عزما عليه ، والقصل في القصيل كالحصاد بعد الاستحصاد ; لأنه عمل في ملك مشترك ، وليس له تأثير في زيادة الخارج فكما أن الحصاد بعد الإدراك عليهما فكذلك حصاد القصيل عليهما ، ويستوي إن كان البذر من قبل رب الأرض ، أو المزارع ، ولو استحصد الزرع فمنعهم السلطان من حصاده إما ظلما ، أو لمصلحة رأى في ذلك أو استوفى منهم الخراج فالحفظ عليهما ; لأن الحفظ بعد الاستحصاد بمنزلة الحصاد ، فإن عقد المزارعة ينتهي بالحصاد جاء إلى رجل قد صار زرعه بقلا فعامله على أن يقوم عليه ويسقيه حتى يستحصد فما خرج فهو بينهما نصفان