قال - رحمه الله - : وإذا فالشرط الأول جائز ، والثاني [ ص: 63 ] فاسد في قياس قول دفع إلى رجل أرضا يزرعها سنته هذه ببذره وعمله على أنه إن زرعها في أول يوم من جمادى الأولى فالخارج بينهما نصفان ، وإن زرعها في أول يوم من جمادى الآخرة فالثلثان من الخارج لرب الأرض ، والثلث للمزارع - رحمه الله - على قول من أجاز المزارعة ، وفي قول أبي حنيفة أبي يوسف - رحمهما الله - الشرطان جائزان ، وهذه المسألة تنبني على ما بينا في الإجارات إذا دفع ثوبا إلى خياط ، فقال : إن خطته اليوم فلك درهم ، وإن خطته غدا فلك نصف درهم ، ووجه البناء عليه أن صاحب الأرض مؤاجر أرضه من صاحب البذر ، وإن كان البذر من قبل صاحب الأرض فهو مستأجر للعامل ، وقد شرط عليه إقامة العمل في أحد الوقتين وسمى بمقابلة العمل في كل وقت بدلا مخالفا للبدل الآخر ، فيكون بمنزلة الخياطة في اليوم ، وفي الغد عند ومحمد - رحمه الله - الشرط الأول صحيح ، والثاني فاسد إما ; لأنه علقه بالأول ، أو لأنه اجتمع سببان في الوقت الثاني ، فإن زرعها في جمادى الأولى فالخارج بينهما نصفان ، وإن زرعها في جمادى الآخرة فالخارج كله لصاحب البذر ، وعليه أجر مثل الأرض إن كان البذر من قبل العامل ، وأجر مثل العامل إن كان البذر من قبل صاحب الأرض ، وعندهما الشرطان جميعا جائزان ، فإن زرعها في جمادى الآخرة فالخارج بينهما أثلاثا ، ولو قال على أن ما زرع من هذه الأرض في يوم كذا فالخارج منه بينهما نصفان ، وما زرع منها في يوم كذا فللمزارع ثلث الخارج ، ولرب الأرض ثلثاه ، فهذا فاسد كله ; لأنه أجرها على شيء غير معروف ; فإن مقدار ما يزرع منها في الوقت الأول على شرط النصف غير معلوم ، وكذلك مقدار ما يزرع في الوقت الثاني على شرط الثلث غير معلوم ، فيفسد العقد كله للجهالة ، كما لو دفع ثوبه إلى خياط على أن ما خاط منه اليوم فبحساب درهم ، وما خاط منه غدا فبحساب نصف درهم كان فاسدا كله ، ولو كان في المسألة الأولى زرع نصفها في أول يوم من جمادى الأولى ، ونصفها في أول يوم من جمادى الآخرة ، فما زرع في الوقت الأول فهو بينهما على ما اشترطا ، وما زرع في الوقت فهو لصاحب البذر في القول الأول ، وفي القول الثاني كل واحد منهما على ما اشترطا ; لأن الشرط الأول في المسألة الأولى كان صحيحا في القول الأول ، وفي القول الثاني الشرطان صحيحان فزراعة البعض معتبرة بزراعة الكل ، إذ ليس في هذا التبعيض إضرار بأحد ، وهو نظير مسألة الخياطة إذا خاط نصف الثوب اليوم ، ونصفه غدا فله - فيما خاطه اليوم - نصف درهم اعتبارا للبعض بالكل ، وفيما خاطه غدا - ربع درهم في قول أبي حنيفة أبي يوسف وفي قول ومحمد : أجر مثله لا ينقص عن ربع درهم ، ولا يزاد على نصف درهم اعتبارا للبعض بالكل بخلاف قوله على أن ما زرع منها ; لأن هناك صرح بالتبعيض ، والبعض الذي تناوله كل شرط مجهول في نفسه ، فكان العقد [ ص: 64 ] فاسدا وهنا أضاف كل شرط إلى جملة وهي معلومة ، والتبعيض عند إقامة العمل ، ولا جهالة في ذلك أيضا ، ولو قال على أنه إن زرعها بدالية أو سانية فالثلثان للمزارع ، والثلث لرب الأرض ، وإن زرعها بماء سيح أو سقت السماء فالخارج بينهما نصفان ، فهو جائز على ما اشترطا ، وهذا بناء على قول أبي حنيفة الآخر ، فأما على قياس قوله الأول ، وقول أبي حنيفة - رحمه الله - فيفسد الشرطان جميعا ; لأنه ذكر نوعين من العمل ، وجعل بمقابلة كل واحد منهما جزءا من الخارج معلوما ، فهو بمنزلة ما لو زفر ، وقد بينا هذا في الإجارات ، ولو قال : على أن ما زرع منها بدلو فللعامل ثلثاه ، ولرب الأرض ثلثه ، وإن زرع منها بماء سيح فللعامل نصفه ، فهذه مزارعة فاسدة ; لجهالة كل واحد من العملين ، فإنه صرح بالتبعيض ، وشرط أن يزرع بعضها بدلو على أن له ثلثي الخارج ، وذلك البعض مجهول ، وكذلك فيما شرط الزراعة بماء السيح ، وهو بمنزلة رجل دفع إلى الخياط خمسة أثواب يقطعها قمصا على أن ما خاط منها روميا فله درهم في كل ثوب ، وما خاط منها فارسيا فله نصف درهم في كل ثوب ، وهناك يفسد العقد كله للجهالة ، فهذا قياسه دفع ثوبا إلى خياط على أنه إن خاطه خياطة رومية فأجره درهم ، وإن خاطه خياطة فارسية فأجره نصف درهم