، ثم قد تم الكتاب على قول رحمه الله ، وإنما التفريع بعد هذا على قول من يرى الحجر ، فنقول أبي حنيفة ، فعلى قول بين من يرى الحجر بسبب السفه اختلاف في صفة الحجر رحمه الله الحجر به بمنزلة الحجر بسبب الرق حتى لا ينفذ بعد الحجر شيء من تصرفاته سوى الطلاق ; لأن السفه لا يزيل الخطاب ، ولا يخرجه من أن يكون أهلا لالتزام العقوبة باللسان باكتساب سببها ، أو بالإقرار بها بمنزلة الرق ، فكما أن بعد الرق لا ينفذ شيء من تصرفاته سوى الطلاق فكذلك بعد الحجر بسبب السفه الشافعي وأبو يوسف قالا : المحجور عليه بسبب السفه في التصرفات كالهازل يخرج كلامه على غير نهج كلام العقلاء لقصده اللعب به دون ما وضع الكلام له لا لنقصان في عقله ، فكذلك السفيه يخرج كلامه في التصرفات على غير نهج كلام العقلاء لاتباع الهوى ، ومكابرة العقل لا لنقصان في عقله ، وكل تصرف لا يؤثر فيه الهزل كالنكاح ، والطلاق ، والعتاق لا يؤثر فيه السفه ، ولا يجوز أن يجعل هذا نظير الحجر بسبب الرق ; لأن ذلك الحجر لحق الغير في المحل الذي يلاقيه تصرفه حتى فيما لا حق للغير فيه يكون تصرفه نافذا ، وهنا لا حق لأحد في المحل الذي يلاقيه تصرفه ، ثم على مذهبهما القاضي ينظر فيما باع واشترى هذا السفيه . ومحمد
فإن رأى إجازته أجازه ، وكان جائزا لانعدام الحجر قبل القضاء عند رحمه الله ، ولإجازة القاضي عند أبي يوسف رحمه الله فإن لا يكون دون حال الذي لم يبلغ إذا كان عاقلا ، وهناك إذا باع واشترى ، وأجازه القاضي جاز وهذا ; لأن الحجر عليه لمعنى النظر ، وربما يكون النظر له في إجازة هذا التصرف ، فلهذا نفذ بإجازة القاضي سواء باشره السفيه ، أو الصبي العاقل قال : وهما [ ص: 167 ] سواء في جميع الأشياء إلا في خصال أربع أحدها : محمد إلا بأمر الحاكم ، ويجوز له البيع والشراء على الذي لم يبلغ ; لأن ولاية الوصي عليه ثابتة إلى وقت البلوغ ( ألا ترى ) أنه ينفرد بالإذن له ، والحجر عليه ، وأنه قائم مقام الأب في ذلك ، وللأب ولاية على ولده ما لم يبلغ فأما بعد ما بلغ عاقلا لا يبقى للوصي عليه ولاية أما عند لا يجوز لوصي الأب أن يبيع شيئا من مال هذا الذي بلغ ، وهو سفيه فلأنه صار ولي نفسه ما لم يحجر عليه القاضي ، ومن ضرورة كونه ولي نفسه انتفاء ولاية الوصي عنه وأما عند أبي يوسف فلأن البلوغ عن عقل مخرج له من أن يكون مولى عليه ، ويثبت له الولاية على نفسه . محمد
( ألا ترى ) أن لمعنى النظر له امتنع ثبوت أحد الحكمين ، وهو ثبوت الولاية له في التصرفات بنفسه ، ولا يتحقق مثل ذلك النظر في إبقاء ولاية الولي عليه ثم قد بينا أن تأثير السفه كتأثير الهزل ، ولا أثر للهزل في إثبات الولاية عليه للوصي ، وللهزل تأثير في إبطال تصرفه ، فلهذا لا يجوز تصرف الوصي عليه إلا أن يأمره الحاكم بذلك ، فحينئذ يقوم هو في التصرف له مقام القاضي ومعلوم أن القاضي إذا حجر عليه لا يتركه ليموت جوعا ، ولكن يتصرف له فيما يحتاج إليه وربما لا يتمكن من مباشرة ذلك بنفسه لكثرة أشغاله ، فلا بد من أن يقيم غيره فيه مقامه والثاني - أن نفذ عتقه بخلاف الذي لم يبلغ ; لما بينا أن تأثير السفه كتأثير الهزل ، ثم في قول محمد وهو قول السفيه إذا أعتق مملوكا له الأول على العبد أن يسعى في قيمته ، وفي قول أبي يوسف الآخر ليس عليه السعاية في قيمته ; لأنه لو سعى إنما يسعى لمعتقه ، والمعتق لا تلزمه السعاية قط لحق معتقه بحال إنما تلزمه السعاية لحق غيره والثاني - أن تأثير السفه كتأثير الهزل ، أبي يوسف لا تلزمه السعاية في قيمته فهذا قياسه : وجه قول ومن أعتق مملوكه هازلا رحمه الله أن الحجر على السفيه لمعنى النظر له ، فيكون بمنزلة الحجر على المريض لأجل النظر لغرمائه ، وورثته ، ثم هناك إذا أعتق عبدا ، وجب عليه السعاية لغرمائه أو في ثلثي قيمته لورثته إذا لم يكن عليه دين ، ولا مال سواه ; لأن رد العتق واجب لمعنى النظر ، وقد تعذر رده عليه ، فيكون الرد بإيجاب السعاية ، فهنا أيضا رد العتق واجب لمعنى النظر وقد تعذر رد عينه ، فيكون الرد بإيجاب السعاية ، فهنا أيضا واجب لمعنى النظر له ، وقد تعذر رده ، فكان الرد بإيجاب السعاية ، وقد بينا أن معنى النظر له في حكم الحجر بمنزلة النظر للمسلمين في الحجر بسبب الدين فكذلك في حكم السعاية . محمد
والثالث - أن لا يصح تدبيره وهذا الذي لم يبلغ إذا دبر عبده جاز تدبيره ; لأن التدبير يوجب حق العتق للمدبر ، فيعتبر بحقيقة العتق إلا أن [ ص: 168 ] هناك تجب عليه السعاية في قيمته ، وهنا لا تجب إلا بعد صحة التدبير في مال مملوك له يستخدمه ، ولا يمكن إيجاب نقصان التدبير عليه ; لأنه لما بقي على ملكه ، والمولى لا يستوجب على مملوكه دينا تعذر إيجاب النقصان عليه . السفيه إذا دبر عبده
( ألا ترى ) أنه لو كان التدبير صحيحا ، ولا يجب المال بخلاف ما إذا كاتبه أو أعتقه على مال ، فإن مات المولى قبل أن يؤنس منه الرشد سعى الغلام في قيمته مدبرا ; لأن بموت المولى عتق ، فكأنه أعتقه في حياته ، فعليه السعاية في قيمته ، وإنما لاقاه المعتق ، وهو مدبر ، فيسعى في قيمته مدبرا ( ألا ترى ) أن دبر عبده بمال وقبله العبد أن على العبد أن يسعى في قيمته مدبرا لغرمائه فهذا مثله ، وكذا لو أعتقه بعد التدبير نفذ عتقه ، وعليه السعاية في قيمته ; لما قلنا . مصلحا لو دبر عبدا له في صحته ، ثم مات وعليه دين يحيط بقيمته
والرابع أن ، لا تكون صحيحة ، والذي وصايا الذي لم يبلغ فالقياس فيه كذلك أنها باطلة بمنزلة تبرعاته في حياته ، ولكنا نستحسن أن ما وافق الحق وما يتقرب به إلى الله تعالى ، وما يكون على وجه الفسق من الوصية للقرابات ، ولم يأت بذلك سرف ، ولا أمر يستقبحه المسلمون أنه ينفذ ذلك كله من ثلث ماله ; لأن الحجر عليه لمعنى النظر له حتى لا يتلف ماله فيبتلى بالفقر الذي هو الموت الأحمر ، وهذا المعنى لا يوجد في وصاياه ; لأن أوان وجوبها بعد موته ، وبعد ما وقع الاستغناء عن المال في أمر دنياه ، فإذا حصلت وصاياه على وجه يكون فيه نظر منه لأمر أضر به أو لاكتساب الثناء الحسن بعد موته لنفسه وجب تنفيذه ; لأن النظر له في تنفيذ هذه الوصايا والتدبير من هذه الجملة فيعتق به بعد الموت لهذا ، وكان ينبغي أن لا يجب على المدبر السعاية ولكنه ، أوجب السعاية لما فيه من معنى إبطال المالية ، فكلام بلغ مفسدا إذا أوصى بوصايا يتضح في هذا الفصل ، ثم العلماء رحمهم الله اختلفوا في أبي يوسف : أهل المدينة رحمهم الله يجوزون من وصاياه ما وافق الحق ، وبه أخذ ، وصية الذي لم يبلغ رحمه الله على ما سنبينه في كتاب الوصايا ، وقد جاءت فيه الآثار حتى روي أن الشافعي رضي الله عنه أجاز وصية غلام يفاع ، وفي رواية يافع ، وهو المراهق ، وأن عمر بن الخطاب رحمه الله سئل عن وصية غلام لم يبلغ ، فقال إن أصاب الوصية ، فهو جائز ، وهكذا نقل عن شريحا الشعبي رحمه الله ، فحال هذا الذي بلغ وصار مخاطبا بالأحكام أقوى من حال الذي لم يبلغ ، فاختلاف العلماء في وصية الذي لم يبلغ يكون اتفاقا منهم في وصية السفيه أنه إذا وافق الحق وجب تنفيذه ، فهذا وجه آخر للاستحسان .