ولو فشراؤه إياه جائز عليه في عتقه ; لأنه خالف أمر المولى وتنفيذ العقد عليه ممكن لكونه مأذونا وليس للبائع أن يأخذ الثمن من المال الذي دفعه إليه المولى ; لأن الثمن فيما اشتراه لنفسه دين في ذمته ، وإنما يقضي ديونه من كسبه لا من أمانة للمولى في يده وكذلك لو لم يكن مأذونا له ولكنه دفع إليه المال وأمره أن يشتري به الطعام ; لأنه بهذا يصير مأذونا له فقد رضي المولى بنوع من تصرفه فإن نقد الثمن من مال مولاه كان للمولى أن يتبع البائع بذلك المال حتى يسترده منه بعينه أو مثله إن كان هالكا ; لأنه غاصب في قبضه مال المولى لنفسه على وجه التملك ، ثم يرجع البائع على العبد ; لأن قبضه انتقض من الأصل وكان الثمن دينا في ذمة العبد فبقي كما كان وللبائع . دفع المولى إلى عبده المأذون مالا وأمره أن يشتري الطعام خاصة فاشترى به رقيقا
[ ص: 70 ] أن يطالبه بقضاء الدين من كسبه فهو جائز ; لأنه غير متهم في ذلك فإنه ليس في تصرفه إبطال حق الغرماء عن شيء مما تعلق حقهم به وهو كالمريض يبيع عينا من أجنبي بمثل قيمته وعليه ديون الصحة . ولو أن المولى اشترى متاعا من عبده المأذون بمثل ثمنه
فإن قيل لماذا لم يجعل هذا بمنزلة بيع المريض من وارثه بمثل قيمته حتى لا يجوز في قول رحمه الله فإن المولى يخلفه في كسبه خلافة الوارث المورث . أبي حنيفة
قلنا منع المريض من هذا التصرف مع الوارث عبده لحق سائر الورثة ; لأن حقهم متعلق بعين ماله ، وفي هذا التصرف إيثار بعض الورثة على البعض بالعين فأما ههنا المنع لحق الغرماء ، وحق الغرماء في المالية دون العين ( ألا ترى ) أن للمولى أن يستخلص إكسابه لنفسه بقضاء الدين من موضع آخر وليس في البيع بمثل القيمة إبطال حقهم عن شيء من المالية فإذا أجاز البيع طالب العبد مولاه بالثمن لحق غرمائه سواء سلم إليه المبيع أو لم يسلم ; لأن المولى في هذه الحالة كالأجنبي من كسبه لحق غرمائه ولو حابا فيه بما يتغابن الناس فيه أو بما لا يتغابن الناس فيه فهو سواء ويقال للمولى أنت بالخيار إن شئت فانتقض البيع ، وإن شئت فأد جميع قيمة ما اشتريت وخذ ما اشتريت ; لأن في المحاباة إبطال حق الغرماء عن شيء من المالية ، والعبد في ذلك متهم في حق المولى ، والمحاباة اليسيرة ، والفاحشة في ذلك سواء كما في حق المرتهن ; لأن تصرفه ما كان بتسليط من الغرماء ، وإنما يتخير المولى ; لأنه يلزمه زيادة في الثمن لم يرض بالتزامها .
فإن قيل هذا قولهما فأما عند فالبيع فاسد بمنزلة بيع المريض من وارثه فإن هناك لما تمكنت تهمة الإيثار في تصرفه فسد العقد عنده فكذلك هنا بخلاف البيع بمثل القيمة ، والأصح أن هذا قولهم جميعا ; لأن العبد في تصرفه مع مولاه كالمريض المديون في تصرفه مع الأجنبي فإن كان المولى قبضه واستهلكه فعليه كمال القيمة ; لأن المحاباة لا تسلم له وقد تعذر الرد بالاستهلاك فعليه القيمة ، والقول قوله في فضل القيمة ; لأنه منكر للزيادة فالقول قوله مع يمينه إلا أن يقيم الغرماء البينة على أكثر من ذلك ولو كان المولى هو الذي باع متاعه من العبد بمثل قيمته أو أقل منها فبيعه جائز ; لأنه مفيد فإنه يخرج به من كسب العبد إلى ملك المولى ما كان المولى ممنوعا منه قبل ذلك لحق الغرماء ويدخل به في كسب العبد ما لم يكن تعلق به حق الغرماء وهذا التكلف أبي حنيفة عندهما فأما عند فالمولى لا يملك كسب عبده المديون كما لا يملك كسب مكاتبه فيجوز البيع بينهما وللمولى أن يمنع البيع حتى يستوفي الثمن كما لو باعه من مكاتبه وهذا . أبي حنيفة
[ ص: 71 ] لأن البيع يزيل العتق عن ملك البائع ولا يزيل ملك اليد ما لم يصل إليه الثمن فيبقى ملك اليد للمولى على ما كان حتى يستوفي الثمن فإن دفع إليه الثمن وقبض ما اشترى فهو جائز ولا سبيل للغرماء على المولى فيما قبض من الثمن ; لأن المبيع خلف عن الثمن في تعلق حق الغرماء به ولو فقبض العبد لما اشترى جائز وهو للغرماء ولا شيء للمولى من الثمن . سلم المولى ما باعه إلى العبد قبل أن يقبض الثمن ، والثمن دين على العبد
وعند أبي يوسف قال هذا إذا استهلك العبد المقبوض فإن كان قائما في يده فللمولى أن يسترده حتى يستوفي الثمن من العبد وجه ظاهر الرواية أنه يتسلم المبيع أسقط حقه في الحس وملك اليد الذي كان باقيا له فلو بقي الثمن بقي دينا في ذمة العبد ، والمولى لم يستوجب على عبده دينا ، وجه قول أبي يوسف أنه إنما أسقط حقه في العين بشرط أن يسلم له الثمن ولم يسلم فيبقى حقه في العين على حاله ويتمكن من استرداده ما بقيت العين ; لأنه يجوز أن يكون له ملك العين فيما في يد عبده فكذلك يجوز أن يكون له ملك اليد فيه فأما بعد الاستهلاك ، فقد صار دينا .
; لأنه بالعقد ملك العرض بعينه ويجوز أن يكون عين ملكه في عبده وهو أحق به من الغرماء ولو كان الثمن عروضا كان المولى أحق بذلك الثمن من الغرماء فالزيادة لا تسلم للمولى لكونه متهما في المعاملة مع المولى بحق الغرماء ويكون المولى بالخيار إن شاء نقض البيع ، وإن شاء أخذ من العبد قدر قيمة ما باع وأبطل الفضل ; لأنه ما رضي بخروجه عن ملكه إلا بشرط سلامة جميع الثمن له ولم يسلم . ولو كان المولى باع متاعه من عبده بأكثر من قيمته بقليل أو كثير