وإذا فهذا على أربعة أوجه إن صدقه في ذلك القاتل ، والمشهود عليه فللشاهد نصف الدية ; لأن ثبوت العفو من الآخر بتصادقهما عليه كثبوته بالمعاينة ، وإن كذباه في ذلك فللمشهود عليه نصف الدية ولا شيء للشاهد ; لأنه تعذر على المشهود عليه استيفاء نصيبه من القود لا لمعنى من جهته ، بل بشهادة الشريك عليه بالعفو ، وهو فيما يشهد به عليه متهم فيكون كاذبا في حقه ويجعل ذلك بمنزلة إنشاء العفو من الشاهد فيسقط حق الشاهد ويجب نصف الدية للمشهود عليه ، وإن صدقه القاتل وكذبه المشهود عليه فلكل واحد منهما نصف الدية في مال القاتل . كان دم العمد بين اثنين فشهد أحدهما على الآخر أنه قد عفي
أما المشهود عليه نصف الدية لما قلنا فإن القاتل والشاهد لا يصدقان عليه في إسقاط حقه وأما الشاهد ، فقد زعم أن نصيبه انقلب مالا بعفو شريكه وصدقه القاتل بذلك وأما إذا كذبه القاتل وصدقه المشهود عليه ففي القياس لا شيء لواحد منهما على القاتل ; لأن حق الشاهد قد سقط بغير عوض فإن شهادته بالعفو في حق من كذبه ، وهو القاتل بمنزلة إنشاء العفو وأما المشهود عليه فلأنه قد أقر بالعفو المسقط [ ص: 159 ] لحقه وفي الاستحسان يجب نصف الدية للشاهد ; لأنه لما كذب القاتل الشاهد ، فقد وجب نصف الدية على القاتل للمشهود عليه بدليل أن المشهود عليه لو لم يصدق الشاهد كان له من المشهود عليه على القاتل نصف الدية ، فالمشهود عليه بهذا التصديق حول ذلك النصف إلى الشاهد وزعم أن نصف الدية للشاهد على القاتل لا له .
ومن أقر لإنسان بشيء فأقر المقر له لغيره به لا يصير رد الإقرار الأول ، ولكن يخول الحق إلى الثاني بإقراره أو كان شهد معه آخر ; لأن الشاهد من الوليين بشهادته على العفو متهم فإنه يقصد بشهادته أن يحول نصيبه إلى المال فلم يكن مقبول الشهادة وبشهادة الواحد لا يثبت العفو على الشريك ولو ، فإن شهدا على التعاقب فالذي شهد أول مرة قد بطل حقه ; لأن شهادته بمنزلة عفوه ووجب لصاحبه نصف الدية فلا يبطل ذلك بشهادته بعد ذلك على شريكه بالعفو ، وإن شهدا معا فلا شيء لواحد منهما في هذا الفصل ; لأن كل واحد منهما بمنزلة العافي فيسقط حقهما منه بغير عوض ، وكذلك لو كذبهما القاتل ، وإن صدق القاتل أحدهما وكذب الآخر أعطي الذي صدق نصف الدية وبطل حق الآخر ; لأن كل واحد منهما يدعي لنفسه نصف الدية عليه ، وقد صدق أحدهما فيلزمه نصف الدية له وكذب الآخر ، وهو قد صار في حقه كالعافي ، وإن صدقهما أنهما قد عفوا ينبغي في قياس هذا القول أن يضمن الدية لهما ; لأنه صار يقر لكل واحد منهما بنصف الدية على نفسه كما إذا صدق أحدهما ، ولكن في الاستحسان لا ضمان عليه لواحد منهما ; لأن في تصديقه إياهما تكذيبهما فكل واحد منهما يزعم أنه ما عفا ، وإنما عفا شريكه ، وهو إذا زعم أنهما عفوا ، فقد صار مكذبا لكل واحد منهما وقد يثبتان أنه لو كذبهما جميعا لم يكن لكل واحد منهما عليه شيء من الدية . شهد كل واحد منهما على صاحبه أنه قد عفا ، والقاتل لا يدعي ذلك ولا ينكره