ص ( كمشمس )
ش : الظاهر أنه مشبه بالمخرج من الكراهة وعليه حمله أكثر الشراح والمعنى أن وهو المسخن بالشمس لا يكره استعماله في الطهارة وهكذا قال الماء المشمس وقبله ابن الحاجب ابن عبد السلام والمصنف في التوضيح قال في شرح قول : والمشمس كغيره فلا كراهة فيه وفيه تنبيه على خلاف الشافعية فإنهم يكرهون المسخن بالشمس للطب واقتصر ابن الحاجب عياض في بعض كتبه وسند في المشمس على الكراهة انتهى .
( قلت ) : ما ذكره عن عياض هو في قواعده ولم يذكر القباب في شرحها خلافا بل قال : لعله إنما كرهه طبا ثم ذكر كلام القرافي الآتي وكلام سند في الطراز يقتضي أن المذهب كراهته ونصه فرع وكره من جهة الطب وهو قول الوضوء بالماء المسخن بالشمس خلافا الشافعي ووجهه ما رواه لأبي حنيفة عن مالك رضي الله عنها { عائشة } ونحوه عن أنه صلى الله عليه وسلم دخل عليها وقد سخنت ماء في الشمس فقال لا تفعلي هذا يا حميراء فإنه يورث البرص انتهى . وصدر صاحب الذخيرة بكلام صاحب الطراز ثم قال بعده قال عمر : لم يصح فيه حديث وقال عبد الحق الغزالي : يخرج من الإناء مثل الهباء بسبب التشميس في النحاس والرصاص فيعلق بالأجسام فيورث البرص ولا يكون ذلك في الذهب والفضة لصفائها .
وقال : والمسخن بالنار والمشمس كغيره انتهى كلام الذخيرة وقال ابن الحاجب ابن فرحون في شرح نقل ابن الحاجب ابن العربي في أحكام القرآن أن كراهة المسخن بالشمس عن ثم ذكر الحديث السابق ثم قال : وهو حديث موضوع نبه على ذلك مالك عبد الحق وابن دقيق العيد وإنما هو من كلام [ ص: 79 ] رضي الله عنه وقال عمر ابن الإمام في شرح : وينبغي كراهة استعمال المشمس قاله ابن الحاجب وهو ظاهر كلام المؤلف يعني ابن شعبان وبكراهة استعماله لو شمس في أواني الصفر في البلاد الحارة لما يحدث من البرص قاله ابن الحاجب ابن العربي في مسالكه وأطلق القاضي عياض في قواعده القول بكراهة الوضوء منه ويجب تقييده بما تقدم ثم قال : والحق أن التجربة إن قضت بضرر استعماله فالقول بالكراهة ظاهر وإن لم يصح ما روى لما علم شرعا من طلب الكف عما يضر عاجلا .
ولم يلزم بما قيل تحريم استعماله لأن ما لا يستلزم الضرر إلا نادرا لا يحرم الإقدام عليه لغلبة السلامة بخلاف ما استلزمه غالبا فإن الإقدام عليه ممتنع لأن الشرع أقام الظن مقام العلم في أكثر الأحكام انتهى .
( قلت ) : وما ذكره ابن فرحون من كون الحديث موضوعا قاله بعضهم والأكثر على أنه حديث ضعيف وفي كلام الذي نقله عبد الحق القرافي أعني قوله لم يصح فيه حديث إشارة إلى ذلك قال النووي في شرح المهذب لما ذكر الحديث المذكور : هذا الحديث ضعيف باتفاق المحدثين وقد رواه من طريق وبين ضعفها كلها ومنهم من يجعله موضوعا وروى البيهقي في الأم بإسناده عن الشافعي أنه كان يكره الاغتسال بالماء المشمس وقاله أنه يورث البرص وهذا ضعيف أيضا باتفاق المحدثين فتحصل من هذا أن المشمس لا أصل لكراهته ولم يثبت عن الأطباء فيه شيء فالصواب الجزم بأنه لا كراهة فيه انتهى . عمر بن الخطاب
( قلت ) : وقد جزم النووي في منهاجه بكراهة المشمس قال الشافعية وقوله لم يثبت عن الأطباء فيه شيء ليس كذلك فقد قال ابن النفيس في شرح التنبيه إن مقتضى الطب كونه يورث البرص قال ابن أبي شريف وهو عمدة في ذلك انتهى وقال بعض الشافعية : يكره في البلاد الحارة في الأواني المنطبعة وهي المطرقة ثم اختلفوا فقيل : جميع ما يطرق وقيل كل ما يطرق إلا الذهب والفضة لصفائهما وقيل إنها من النحاس خاصة والحاصل أن القول بكراهة المشمس قوي فإن القول بنفي الكراهة لم أره إلا في كلام ومن تبعه وما ذكره ابن الحاجب ابن الإمام عن والقول بالكراهة نقله ابن شعبان عن ابن الفرس واقتصر جماعة من أهل المذهب عليه كما تقدم وينبغي أن يقيد بما قال مالك ابن الإمام ونقله عن ابن العربي من كونه في أواني الصفر في البلاد الحارة وجوز ابن الفرات أن يكون التشبيه في قول المصنف كمشمس راجعا إلى ما قبله من المكروهات
( قلت ) : وكلامه في التوضيح يدل على خلافه ، ( تنبيهات : الأول ) قال ابن الإمام عن ابن العربي إنه إن توضأ به أجزأه قال لأن النهي عنه لم يتعلق به لأمر يرجع إلى رفعه الحدث بل لمنفصل عنه قال ويتعين وجوب استعماله عند عدم غيره لأن مصلحة الواجب أولى من دفع المفسدة المكروهة انتهى .
( الثاني ) قال ابن فرحون إذا قلنا بالكراهة فالظواهر أنها كراهة إرشاد من جهة الطب وليست كراهة شرعية والفرق بينهما أن الكراهة الشرعية يثاب تاركها انتهى .
( قلت ) : في هذا الكلام نظر لأنه حيث نهى الشرع عن شيء أثيب على تركه كمن ترك أكل السم امتثالا لنهي الشرع عن التسبب في قتل النفس وهو ظاهر وكلام ابن الإمام السابق فيه إشارة إلى ذلك وذكر النووي عن بعض الشافعية نحو ما قال ابن فرحون وقال : هذا خلاف المشهور ، ( الثالث ) قال ابن فرحون : وانظر هل تزول الكراهة بتبريده أو لا أو يرجع في ذلك للأطباء أما إن قيل إن العلة تحلل أجزاء من الإناء فلا تزول الكراهة بتبريده انتهى .
( قلت ) : وعند الشافعية في ذلك خلاف ، ( الرابع ) الظاهر أنه إنما يكره استعمال المشمس في الوضوء والغسل وسواء كان من حدث أو تبرد أو مندوب إليه وفي غسل النجاسة به من البدن وأما غسل النجاسة به من غير البدن فلا كراهة في ذلك إذا لم يباشر ذلك [ ص: 80 ] بشيء من بدنه وصرح بذلك الشافعية نعم ينبغي أن يكره شربه وأكل طعام طبخ فيه إن قال الأطباء أنه يضر وقد نص الشافعية على ذلك ، ( الخامس ) أما فمتفق على عدم كراهته قاله المشمس في البرك والأنهار النووي في شرح المهذب قال : لعدم إمكان الصيانة وتأثير الشمس انتهى ، .
( قلت ) : ولم أقف على ما يخالفه وقوله وتأثير الشمس أي ولعدم تأثير الشمس ، ( السادس ) لا كراهة فيه كما صرح بذلك المسخن بالنار وغيره لكن قيد ذلك ابن الحاجب ابن الكروي بأن لا يكون شديد التسخين فإن كان شديد التسخين كره ومثله شديد البرودة قال : لأنه ينافي الخشوع وقال غيره : لأنه يمنع الإسباغ وتقدم في كلام سند أن المسخن يستعمل وإن ظهر فيه طعم القدر