( فرع ) قال في الذخيرة في قوله تعالى { وامسحوا برءوسكم } إن راعينا الاشتقاق من الرأس وهو ما علا فيتناول اللفظ الشعر لعلوه والبشرة عند عدمه لعلوه من غير توسع ولا رخصة ، وإن قلنا : إن الرأس هو العضو فثم مضاف محذوف تقديره امسحوا شعر رءوسكم فعلى هذا يكون مسح البشرة لم يتناوله النص فيكون المسح عليها في عدم الشعر بالإجماع لا بالنص ، وعلى كل تقدير يكون الشعر أصلا في الرأس فرعا في اللحية والأصل الوجه .
والثانية أن منتهى الرأس آخر الجمجمة وهذا هو المشهور قال سند : وأما آخره فالمعروف من المذهب أنه منتهى الجمجمة حيث يتصل عظم الرأس بفقار العنق وقال : إلى آخر منبت الشعر وهو فاسد ; لأنه موضع مباين للرأس ولهذا لم يكن فيه موضحة كما في الرأس انتهى . ونحوه ابن شعبان للخمي وتبعه فقال : ومبدؤه من مبدأ الوجه وآخره ما تحوزه الجمجمة وقيل : منابت شعر القفا المعتاد ، وقبله ابن الحاجب ابن عبد السلام وغيره من شراحه كابن هارون وابن راشد والأبي في شرح مسلم وعزوا الشاذ ، ونحوه لابن شعبان للقرافي والفاكهاني وابن ناجي في شرح المدونة وصرح بأن الأول هو المعروف في المذهب وعلى ذلك شيء غير واحد من أهل المذهب ووقع في المدونة في صفة المسح : يبدأ بيديه من مقدم رأسه حتى يذهب بهما إلى قفاه . ففهم ابن عرفة أن مذهب المدونة كقول فقال في حد الرأس : وهو من ملاصق الوجه ، وآخره فيها ، وفي سماع ابن شعبان موسى رواية ابن القاسم حتى آخر شعر القفا وعزاه اللخمي وجعل المذهب حتى آخر الجمجمة انتهى . ونص ما أشار إليه في سماع لابن شعبان موسى قال : يمسح رأسه فيمر بيديه من مقدمه إلى قفاه . مالك
( قلت ) ونحوه قوله في التلقين : وأما الرأس فهو ما صعد عن الجبهة إلى آخر القفا طولا وإلى الأذنين عرضا ، وكذا في عبارة غيره لكن المتأخرين كلهم على نحو ما قاله اللخمي كما تقدم في عبارة [ ص: 203 ] صاحب الطراز ويمكن رد ذلك إلى ما قاله غيره بأن يكون المراد إلى آخر شعر رأسه كما قال في الرسالة .
( الثانية ) القفا مقصور يذكر ويؤنث وجمعه أقفية وقفي بضم القاف وكسر الفاء وتشديد الياء وفيه لغات .
( تنبيهات الأول ) قال في التوضيح : قال اللخمي وابن عبد السلام : لا خلاف أنه مأمور بالجميع ابتداء وإنما الخلاف إذا اقتصر على بعضه قال ابن عبد السلام : وكان بعض أشياخي يحكي عن بعض شيوخ الأندلسيين أن الخلاف ابتداء في المذهب ولم أره انتهى .
( قلت ) ولم يرتض ابن عرفة ما قاله ابن عبد السلام بل قال : ظاهر قول المازري إثر ذكره الأقوال . هذا القدر الواجب والكمال في الإكمال اتفاقا وما ذكر من الإجزاء أن الخلاف في الواجب ابتداء وهو ظاهر عزو ابن رشد قول لأشهب ومقتضى قول الشافعي عن ابن حارث من ترك غير مقدم الرأس وضوءه جائز ، وروي عن أشهب ابن عمر متعلق الإجزاء ظاهر اختلافهم في أقوال ومذاهب لا في مراعاة خلاف والقول بوجوب شيء قبل فعله وسقوطه بتركه لا على معنى رعي الخلاف لا يعقل ; لأنه يؤدي لانقلاب الواجب غير واجب وقوله : متعلق الإجزاء بكسر الهمزة وقوله : وهو ظاهر عزو ابن رشد قول لأشهب يشير به إلى قول الشافعي ابن رشد في رسم الصلاة من سماع أشهب من كتاب الوضوء ، وذهب الشافعي وجماعة من أهل العلم إلى إجازة مسح بعض الرأس ، وإلى هذا ذهب وأبو حنيفة في هذه الرواية قال أشهب سند : ووجه المذهب ما ذكره في العتبية لما قيل له : إن من مالك فقال : يعيد أرأيت إن غسل بعض وجهه وذلك إن شاء الله تعالى أمر بمسح الرأس وغسل الوجه فكما لم يقع الامتثال في غسل الوجه بالاستيعاب كذلك في مسح الرأس واعتبارا بمسح الوجه في التيمم ولأن العمل بذلك ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم . مسح رأسه ولم يعمه ؟
وأفعال القرب تحمل على الوجوب إلا ما خصه الدليل وكل ما يتعلق به المخالف من أن المسح لا يقتضي الاستيعاب وأن الباء للتبعيض يبطل بقوله تعالى في التيمم { فامسحوا بوجوهكم وأيديكم } وحديث المغيرة { } كما رواه أنه صلى الله عليه وسلم مسح بناصيته وعلى العمامة الترمذي وهو في صحيح مسلم لا حجة فيه بل هو حجة عليهم ; لأنه لو أجزأه المسح على الناصية لما مسح على العمامة ، فدل على أنه إنما فعل للضرورة ووجه قول والنسائي أن المسح مبني على التخفيف فأكثره يجزئ عن أقله ، ووجه قول ابن مسلمة أبي الفرج أن الثلث في حيز الكثير ، ووجه قول الأخذ بظاهر حديث أشهب المغيرة ( الثاني ) قال ابن عبد السلام في قول الثاني : انظر هل يذهب به مذهب الشافعية في ثلاث شعرات في قول أو بعض شعرة في قول ؟ لكن قوله وإن لم يعم رأسه ظاهر هذا المذهب أنه لا بد من جزء معتبر وجزم بذلك في التوضيح فقال ولا يؤخذ من قول أشهب إن لم يعم رأسه أجزأه قول في المذهب بإجزاء ثلاث شعرات كمذهب الشافعية ; لأن الذي يفهم من قوله إن لم يعم عرفا أخذ جزء جيد منه . أشهب
( قلت ) وظاهر قول ابن رشد المتقدم في رسم الصلاة من سماع أشهب ذهب الشافعي وجماعة من أهل العلم إلى إجازة مسح بعض الرأس ، وإلى هذا ذهب وأبو حنيفة في هذه الرواية ، وبذلك فسره أشهب ابن راشد في شرح فقال على ما نقل عنه صاحب الجمع وذهب ابن الحاجب في قوله الآخر إلى مذهب أشهب وقال الشافعي ابن فرحون تبعا وينبغي أن يرد قوله المطلق إلى قوله المقيد ، زاد لابن هارون ابن فرحون : ولفظه قوي في الدلالة على أن يحمل على قول لقوله : إن لم يعم فلا أقل من أنه يحمل على قوله المقيد بالناصية ، ويمكن أن يقال في كلام ابن مسلمة ابن رشد : إنما شرك بينهم في الاكتفاء بالبعض وإن اختلفوا في قدره بدليل أنه جمع بين الشافعي وهما مختلفان في القدر المجزئ . وأبي حنيفة
( الثالث ) قال ابن ناجي : قال ابن عطية : وكل [ ص: 204 ] هذا الخلاف إنما هو إذا وقع المسح من مقدم الرأس وأما لو وقع على خلاف ذلك فلا يكفي بعضه اتفاقا ، وضعفه شيخنا الشبيبي بالاتفاق على أن البداءة بمقدم الرأس ليست بفرض ، فلا فرق بين البداءة بالمقدم أو بغيره قال ابن ناجي : ويرد بأن كلام ابن عطية يقتضي أنه وقف على النص بذلك فتكون البداءة بمقدم الرأس التي ليست بفرض اتفاقا إنما هي حيث التعميم ، أما حيث الاقتصار على البعض فلا انتهى .
( قلت ) وما قاله ابن عطية غريب وما قاله الشبيبي ظاهر والله تعالى أعلم .