ص ( ووجب أخذه لخوف خائن إلى قوله على الأحسن )
ش : حاصل ما ذكره المؤلف أنه إن خاف عليها أن يأخذها خائن وجب عليه الالتقاط إلا أن يعلم من نفسه هو الخيانة فيحرم سواء خشي عليها أن يأخذها خائن أو لم يخش وإلا كره ، أي : وإن لم يخف عليها خائنا ولا علم من نفسه الخيانة فيكره له الالتقاط على الأحسن هذا حل كلامه وفيه أبحاث : الأول كلامه يقتضي أنه إذا لم يتحقق من نفسه الأمانة ولا الخيانة وخاف عليها الخونة وجب عليه الالتقاط وهو مخالف لما قاله وقرره ابن الحاجب المصنف في التوضيح من أن الذي لا يتحقق من نفسه يكره له الالتقاط وإنما جعل وجوب الالتقاط إذا تحقق من نفسه الأمانة وخاف عليها الخونة فتأمل ذلك .
الثاني نقل في التوضيح في القسم المكروه في كلام المؤلف الذي فيه الأحسن ومقابله وهو ما إذا لم يخف عليها الخيانة وعلم من نفسه الأمانة أن ابن رشد قيد الخلاف بأن يكون الإمام عدلا فإن كان غير عدل فالاختيار أن لا يأخذها اتفاقا وكذا قيد قسم الوجوب وهي ما إذا كانت بين قوم غير مأمونين بكون الإمام عدلا لا يخشى أن يأخذها إذا علم بها بتعريفه إياها ، قاله في المقدمات أما إذا كان غير عدل ، فقال : يخير بين أخذها وتركها بحسب ما يغلب على ظنه من أحد الطرفين فتأمله ونص كلام التوضيح في شرح قول والالتقاط حرام على من يعلم خيانة نفسه ومكروه للخائف وفي المأمون الكراهة والاستحباب فيما له بال والوجوب إذا خاف عليها الخونة يعني أن ابن الحاجب يختلف بحسب حال الملتقط وجعل يعني حكم اللقطة الأقسام ثلاثة ، أولها أن يعلم من نفسه الخيانة فيكون التقاطها عليه حراما ، وثانيها أن يخاف أن يستفزه الشيطان ولا يتحقق فيكون مكروها ، وثالثها أن يثق بأمانة نفسه ، وقسم هذا إلى قسمين : الأول أن يكون بين ناس لا بأس بهم ولا يخاف عليها الخونة ، والثاني أن يخافهم فإن خافهم وجب الالتقاط وحكي عليه الاتفاق وإن لم يخف فثلاثة أقوال ابن الحاجب ، الاستحباب والكراهة والاستحباب فيما له بال وقيد لمالك ابن رشد هذا الخلاف بأن يكون الإمام عدلا وإن كان غير عدل وكانت بين قوم مأمونين .
فالاختيار أن لا يأخذها اتفاقا وإن كانت بين قوم غير مأمونين [ ص: 72 ] فيخير بين أخذها وتركها ، انتهى . وزاد في المقدمات وذلك بحسب ما يغلب على ظنه من أحد الخوفين ، انتهى .
فهذا الأخير تقييد لما أطلقه المصنف في نقل قسم الوجوب بل نقل القرافي عن اللخمي أنه يحرم أخذها إذا كان الإمام غير مأمون إذا أنشدت أخذها ، انتهى . الثالث قوله على الأحسن فيه ترجيح القول بالكراهة وهو الذي اقتصر عليه في الشامل ( تنبيهات الأول ) قال في المقدمات بعد أن ذكر الأقوال الثلاثة وما قيدها به وهو أيضا أعني هذا الاختلاف فيما عدا لقطة الحاج لنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها ومعنى نهيه عنها مخافة أن لا يجدها ربها لتفرق الحاج في بلدانهم المختلفة فتبقى في ضمانه فلا ينبغي لأحد أن يلتقط لقطة الحاج للنهي الوارد في ذلك عن النبي عليه السلام فإن التقطها وجب عليه من تعريفها ما يجب في سواها ، انتهى .
وهذا - والله أعلم - في غير المحل الذي يجب فيه الالتقاط بل صريح كلامه أنه في غير محل الوجوب ; لأنه تقييد للثلاثة الأقوال وهي إنما هي في غير قسم الوجوب فهي داخلة في قول المؤلف وإلا كره إلا أن الكراهة فيها أقوى فتأمله ، والله أعلم .
( التنبيه الثاني ) قال ابن عبد السلام بعد أن حكى الأقوال الثلاثة : والأظهر إن كان مع القدرة على الحفظ أن يجب الالتقاط ولا يعد علمه بخيانة نفسه مانعا وأحرى خوفه ذلك ; لأنه يجب عليه ترك الخيانة والحفظ للمال المعصوم وقصارى الأمر أن من يأمن على نفسه الخيانة فقد توجه عليه الخطاب بالحفظ وحده ومن يعلم من نفسه الخيانة وجب عليه أمران الحفظ وترك الخيانة وبعد تسليم هذا فالأظهر من الأقوال الثلاثة الاستحباب أو الوجوب لو قيل به لوجوب إعانة المسلم عند الحاجة والقدرة على الإعانة ، انتهى .
وكلامه حسن - رحمه الله - ( التنبيه الثالث ) قال في الذخيرة : كل فعل واجب أو مندوب لا تتكرر مصلحته بتكرره كإنقاذه الغريق أو إزاحة الأذى عن الطريق فهو على الكفاية وما تتكرر مصلحته بتكرره فهو على الأعيان كالصلاة والصوم وقد تقدم بسط هذه القاعدة في مقدمة هذا الديوان فعلى هذا يتجه الأخذ ووجوبه عند تعين هلاك المال وعند تعين الهلاك بين الأمناء يكون فرضا على الكفاية إذا خافوا غيرهم على اللقطة ومندوبا في حق هذا المعين بخصوصه كما ( قلت ) في صلاة الجنازة وغيرها أصلها فرض على الكفاية ، وفعل هذا المصلي المخصوص يندب ابتداء فإذا شرع اتصف بالوجوب ، انتهى . فتأمله