( فرع ) قال ابن عرفة في كتاب الشهادات في تعارض البينتين قال في نوازل في كتاب الشهادات إن سحنون قضي ببينة القتل قال شهدت بينة بقتل زيد عمرا يوم كذا وبينة بأنه كان ذلك اليوم ببلد بعيد عن موضع القتل ابن رشد هذا مشهور المذهب وقاله وقال أصبغ القاضي يقضي ببينة البراءة إن كانت أعدل وإن كانتا في العدالة سواء طرحتا وقاله إسماعيل ابن عبد الحكم [ ص: 209 ] انتهى .
( قلت ) قال ابن رشد في شرح هذه المسألة قال ابن عبد الحكم في أدب القضاء الذي كنت أسمع فيما كنا نتناظر عليه مع أصحابنا : أن بعرفات يوم عرفة من العام الفلاني لرجل بمائة دينار وشهد آخر أنه كان عندهم بمصر في ذلك اليوم بعينه أن شهادة الذين شهدوا عليه بالمائة أحق وأولى قالوا : لأن هذين شهدوا بحق ولم يشهد الآخران بحق ولست أعرف هذا المعنى والذي أرى إن كان الشاهدان اللذان شهدا أنه كان شاهدين لو شهدا على رجل أنه أقر عندهم بمصر في ذلك الوقت أعدل : أن لا يكون له شيء . ألا ترى أنه لو أنه جرحة ولو كانتا في العدالة سواء لطرحتهما . وكذلك لو شهدوا أنه ولد بعد المائتين قال شهدا على رجل بحق أقر به عندهما في سنة مائتين وشهد شاهدان أعدل منهما أنه مات قبل ذلك بشهر ابن رشد : لكلا القولين وجه وحظ من النظر . وستأتي هذه الكلمة في نوازل فنتكلم عليها انتهى . أصبغ
( قلت ) زاد في النوادر عن المجموعة وكتاب ما نصه قال ابن سحنون إلا أن يشهد مثل أهل الموسم في جماعتهم أنه أقام لهم الحج ذلك اليوم أو أهل سحنون مصر أنه صلى بهم العيد ذلك اليوم فيبطل القتل ; لأن أهل الموسم لا يجتمعون على الغلط ولا يشتبه عليهم وقد يشتبه على الشاهدين وأكثر من ذلك .
( قلت ) ذكره لأهل الموسم وأهل مصر يقتضي أنه لا ترد شهادة الشاهدين إلا بمثل ذلك العدد والظاهر أنه ليس مقصودا لذاته فإذا شهد جماعة يستحيل تواطؤهم على الكذب فالظاهر بطلان شهادة الشاهدين ولا ينضبط ذلك بعدد ويشهد لذلك ما ذكره ابن عرفة في الكلام على ونصه . وفي لغو الترجيح بالكثرة واعتباره قوله ورواية الترجيح بالعدد ابن حبيب وفيها لابن القاسم : لو لم ترجح بالكثرة شهد لهذا شاهدان ولهذا مائة وتكافئوا في العدالة اللخمي محمله على المغاياة ولو كثروا حتى يقع العلم بصدقهم لقضي بهم انتهى . قال : ونص ما أشار إليه والمازري ابن رشد في نوازل على اختصار أصبغ ابن عرفة إن بمصر في المحرم يوم عاشوراء وأخرى أنه كان ذلك اليوم بالعراق حد وكذا لو شهدت بينة بزنى رجل بمصر وشهدت أخرى أنه قتل فلانا بالعراق قتل بهما . شهدت بينة أنه قتل فلانا
ابن رشد تفرقة هذه على قياس مشهور قول أصبغ ابن القاسم أن أعملت ذات الزيادة وإن اختلفت في الأنواع سقطتا إلا أن تكون إحداهما أعدل فيقضى بها . وقال أيضا إن اختلفتا بالزيادة سقطتا إلا أن تكون إحداهما أعدل فيقضى بها كاختلاف الأنواع فلزم على قياس هذا إن شهدت الأخرى أنه زنى ذلك اليوم البينتين إذا اختلفتا بالزيادة بالعراق أن تسقط إلا أن تكون إحداهما أعدل فيقضى بها كما لو شهدت أنه سرق ذلك اليوم بالعراق وهو الذي يوجبه القياس لتكذيب كل بينة الأخرى وتعليل لإقامة الحد والقتل فإنه يعلم أن صدق إحدى البينتين غير صحيح ; لأنه إذا علم أن إحداهما كاذبة واحتمل أن تكون كل واحدة منهما هي الكاذبة احتمل كذبهما معا وإذا احتمل كذبهما معا أو كذب إحداهما لم يصح الحكم بأن إحداهما صادقة إلا أن تكون هي أعدل وإلى هذا نحا أصبغ ابن عبد الحكم على ما ذكرنا عنه في نوازل ويأتي على قياس الأخوين عن سحنون في البينتين إذا شهدت إحداهما بخلاف ما شهدت به الأخرى واستويا في العدالة أنه يقضي بشهادتهما معا أنه يحد للزنا والسرقة إذا شهدتا به معا وهو بعيد جدا انتهى . مالك
( تنبيه ) قال القرافي ولا يقضى بأعدل البينتين إلا في الأموال . قاله في كتاب الأحكام في تمييز الفتاوى عن الأحكام ونقله ابن فرحون وهو مخالف لما ذكرناه من سماع يحيى ونقله ابن عرفة فتأمله والله أعلم .
ص ( وبيد )
ش : قال القرافي في كتاب الدعاوى ( تنبيه ) اليد عبارة عن القرب والاتصال فأعظمها ثياب [ ص: 210 ] الإنسان التي عليه ونعله ومنطقته ويليه البساط الذي هو جالس عليه والدابة التي هو راكبها وتليه الدابة التي هو سائقها أو قائدها والدار التي هو ساكنها فهي دون الدابة لعدم الاستيلاء على جميعها . قال بعض العلماء : فيقدم أقوى اليدين على أضعفهما فلو تنازع الساكنان الدار سوي بينهما بعد أيمانهما والراكب مع الراكب والسائق قيل يقدم الراكب مع يمينه انتهى فتأمله . والله أعلم .