قال : وسئل من أعلم ابن المبارك أو أمالك ؟ قال : أبو حنيفة أعلم من أستاذي مالك وهو إمام في الحديث والسنة وما بقي على وجه الأرض آمن على حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم من أبي حنيفة ولا أقدم عليه أحدا في صحة الحديث ولم أر أحدا مثله انتهى وقال مالك أبو عمر في أول التمهيد عن : سئل من أعلم ابن مهدي أو مالك ؟ قال : أبو حنيفة أعلم من أستاذي مالك يعني أبي حنيفة حماد بن أبي سليمان انتهى وقال الجلال السيوطي في حاشية الموطإ : قال : ابن مهدي إمام الحديث وليس بإمام في السنة سفيان الثوري والأوزاعي إمام في السنة وليس بإمام في الحديث إمام فيهما جميعا وسئل ومالك في فتاويه عن معنى هذا الكلام فقال : السنة هنا ابن الصلاح فقد يكون الإنسان عالما بالحديث ولا يكون عالما بالسنة انتهى وفي الديباج المذهب عن ضد البدعة أنه سئل عمن يريد أن يكتب الحديث وينظر في الفقه حديث من يكتب وفي رأي من ينظر ؟ قال حديث أحمد بن حنبل ورأي مالك . وذكر مالك في الحلية عن أبو نعيم قال : ما أقدم على يحيى بن سعيد القطان في زمانه أحدا ، وذكر مالك في الحلية أيضا عن أبو نعيم خلف بن عمر قال سمعت يقول : ما أجبت في الفتيا حتى سألت من هو أعلم مني هل يراني موضعا لذلك ; سألت مالك بن أنس وسألت ربيعة فأمراني بذلك ، فقلت له : يا يحيى بن سعيد فلو نهوك قال : كنت أنتهي لا ينبغي لرجل أن يرى نفسه أهلا لشيء حتى يسأل من هو أعلم منه انتهى . وقال في المدخل : قال أبا عبد الله القرافي : ما أفتى رحمه الله حتى أجازه أربعون محنكا ذكره دليلا على أن المزية يخرج بها من المكروه ; لأن وصفهم بالتحنيك دليل على أنهم امتازوا به دون غيرهم وإلا فما كان لوصفهم بالتحنيك فائدة إذ الكل مجتمعون فيه انتهى وقال في المدونة : ولا ينبغي لطالب العلم أن يفتي حتى يراه الناس أهلا للفتيا قال مالك : الناس هاهنا العلماء . قال سحنون : ويروى هو نفسه أهلا لذلك ، وقال القاضي ابن هارون عياض : قال : قال لي الشافعي : رضي الله عنهما أيهما أعلم صاحبنا أم صاحبكم يعني محمد بن الحسن أو أبا حنيفة ؟ فقال : قلت : أعلى الإنصاف ؟ قال : نعم ، قال : قلت : فأنشدك الله من أعلم بالقرآن أصاحبنا أم صاحبكم ؟ قال : اللهم صاحبكم . قلت : فأنشدك الله من أعلم بالسنة صاحبنا أم صاحبكم ؟ قال اللهم صاحبكم . قال : قلت : فأنشدك الله من أعلم بأقاويل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم المتقدمين أصاحبنا أم صاحبكم ؟ قال اللهم صاحبكم قال مالكا قلت : فلم يبق إلا القياس والقياس لا يكون إلا على هذه الأشياء فعلى أي شيء تقيس ؟ انتهى وعن الشافعي المثنى بن سعيد قال : سمعته يقول : ما بت ليلة إلا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم . ذكره في الحلية وقال في مختصر المدارك : قال أبو نعيم : قالت لي عمتي : ونحن الشافعي بمكة رأيت في هذه الليلة عجبا ، قلت : وما هو ؟ قالت : كأن قائلا يقول : مات الليلة أعلم أهل الأرض فحسبنا تلك الليلة فإذا هي ليلة مات وقال مالك الحسن بن حمزة الجعفري : كنت أشتم فنمت فرأيت كأن الجنة فتحت قلت : ما هذا ؟ قالوا : الجنة . قلت : فما هذه الغرف ؟ قالوا : مالكا لما ضبط على الناس دينهم فلم أنتقصه بعد وكنت أكتب عنه وعن لمالك محمد بن رمح قال : رأيت النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرى النائم فقلت : يا رسول الله قد اختلف علينا [ ص: 26 ] مالك فأيهما أعلم ؟ فقال : والليث ورث وجدي ، قال مالك : معناه وارث علمي ، انتهى . وقال أبو نعيم في المقدمات في كتاب السرقة : لما تكلم على مسألة اشتراك الجماعة في سرقة النصاب فرحم الله ابن رشد فإنه كان أمير المؤمنين في الرأي والآثار وأعرف الناس بالقياس وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ، انتهى . وقال مالك بن أنس أبو بكر بن سعدون سألت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام عن مسألة اختلف فيها مالك فقال : رأي والليث هو الصواب وحكي في الديباج عن المدارك عن الإمام مالك أنه قال : جالست مالك ابن هرمز ثلاث عشرة سنة ويروى ست عشرة سنة في علم لم أبثه لأحد من الناس ومذهبه رضي الله عنه مبني على سد الذرائع واتقاء الشبهات فهو أبعد المذاهب عن الشبه ونقل ابن سهل عن بعضهم أنه قال : كل من زاغ عن مذهب فإنه ممن رين على قلبه وزين له سوء عمله فقد رأيت في أقاويل الفقهاء ورأيت ما صنف من أخبارهم إلى يومنا هذا فلم أر مذهبا أنقى ولا أبعد من الزيغ من مذهب مالك وجل من يعتقد مذهبا من المذاهب فيهم الخارجي والرافضي إلا مذهب مالك فما سمعت أن أحدا ممن يقلده قال بشيء من هذه البدع فالاستمساك به نجاة إن شاء الله . ( مالك قلت ) وفي أول هذا الكلام بشاعة ظاهرة ولا يحل لمسلم أن يعتقد ما قاله فإن الأئمة المجتهدين رضي الله عنهم على هدى من ربهم وكل من قلد واحدا منهم فهو على هدى من ربه ولعل هذا القائل إنما تكلم على بلاد المغرب فإنه ليس عندهم إلا مذهب وكل من خرج عنه عندهم فلا يكون إلا من الخوارج ( وإنما نقلته ) لأنبه على ما فيه والله سبحانه وتعالى يعصمنا من الزلل ويوفقنا في القول والعمل بمنه وكرمه وأما ما ذكره آخرا أعني قوله : فما سمعت أن أحدا ممن يقلده قال بشيء من هذه البدع ، فهو كلام صحيح قال مالك السبكي في مفيد النعم ومبيد النقم : وهؤلاء الحنفية والشافعية والمالكية وفضلاء الحنابلة يد واحدة كلهم على رأي أهل السنة والجماعة يدينون بطريقة شيخ السنة لا يحيد عنها إلا رعاع من الحنفية والشافعية لحقوا بأهل الاعتزال ورعاع من الحنابلة لحقوا بأهل التجسيم ، وبرأ الله المالكية فلم ير مالكي إلا أشعري العقيدة ثم قال في آخر كلامه : يخاطب أهل المذاهب الأربعة . وأما تعصبكم في فروع الدين وحملكم الناس على مذهب واحد فهو الذي لا يقبله الله منكم ولا يحملكم عليه إلا محض التعصب والتحاسد ولو أن أبي الحسن الأشعري الشافعي وأبا حنيفة ومالكا أحياء يرزقون لشددوا النكير عليكم وتبرءوا منكم فيما تفعلون انتهى وقال الإمام وأحمد : إذا رأيت الرجل ينقص أحمد بن حنبل فاعلم أنه مبتدع قال مالكا وأخشى عليه من البدعة وقال أبو داود : إذا رأيت الحجازي يحب ابن مهدي فاعلم أنه صاحب سنة وإذا رأيت أحدا يتناوله فاعلم أنه على خلاف ذلك قال في الديباج : وكان مالكا إذا جاء ربيعة يقول : جاء العاقل واتفقوا على أنه كان أعقل أهل زمانه وقال مالك : قال أحمد بن حنبل : ما جالست سفيها قط . وهذا أمر لم يسلم منه غيره ولا في فضائل العلماء أجل من هذا وذكر يوما شيئا فقيل له : من حدثك بهذا ؟ فقال : إنا لم نجالس السفهاء وقد عد مالك القاضي عياض في المدارك بالترجيح مذهب وبين الحجة في وجوب تقليده ورجح ذلك من طريق النقل والاعتبار فلينظر ذلك فيه وذكر القاضي مالك عبد الوهاب في آخر المعونة شيئا من ذلك . وقال ابن ناجي في شرح الرسالة : اختار الشيخ مذهب ; لأنه إمام مالك دار الهجرة وهو المعني بالحديث وذكره ثم قال ولأنه جمع بين شرفي الحديث والفقه وغيره من أئمة الدين إما فقيه صرف كالشافعي ليس لهما ذكر عند الصحيحين . وإما محدث صرف وأبي حنيفة كأحمد انتهى . وهو مأخوذ من كلام وداود القاضي عياض في المدارك . وقال الشيخ زروق في شرح الرسالة : يكفي في [ ص: 27 ] أرجحيته كونه إمام دار الهجرة في خير القرون ومتبوع أهل المغرب الذين لا يزالون ظاهرين على الحق إلى قيام الساعة كما صح في الحديث وإن اختلفت روايته وعصم الله مذهبه من أن يكون فيه ذو هوى موسوما بالإمامة وجعله مقدما عند الكافة حتى أن كل ذي مذهب يختاره بعد مذهبه وجعل رؤساء مذهبه حجة بعده في الحديث كالفقه قد خرج لهم وما ملأ كتابه إلا بهم فهم الحجة والأئمة الأثبات الذين برزوا ولم يثبت ذلك لغيرهم وإن كان صالحا أمينا ومن طالع مناقب الأئمة الأربعة عرف علو مرتبتهم ووجوب تقديمهم على غيرهم ولزوم الاقتداء بهم وترجح عنده أحدهم على ما يتعرف من مراتبهم ويرى مع ذلك أن البخاري أعلاهم وأسناهم ألا ترى أن مالكا تلميذه الشافعي تلميذ وأحمد ويرحم الله الشافعي حيث يقول : كفى ابن الأثير شرفا أن مالكا تلميذه الشافعي تلميذ وأحمد وكفى الشافعي شرفا أن الشافعي شيخه وأما مالكا فذكر غير واحد أنه لقي أبو حنيفة وأخذ عنه شيئا من الحديث فهو إذا شيخ الكل وإمام الأئمة وكلهم على هدى وتقى وعلم وورع وزهد انتهى وقد ذكر الشيخ مالكا جلال الدين السيوطي في كتابه الذي سماه تزيين الممالك بترجمة الإمام بلغني في هذه الأيام أن ثم من أنكر رواية الإمام مالك عن الإمام أبي حنيفة وعلل ذلك بكبر سنه وهذا لا يقال فقد روى عن الأئمة من هو أكبر منهم سنا وقد روى عن الإمام مالك من هو أكبر سنا من الإمام مالك وأقدم وفاة أبي حنيفة كالزهري وكلاهما من شيوخ وربيعة فإذا روى عنه شيوخه فلا يبعد أن يروي عنه مالك الذي هو من أقرانه ورواية أبو حنيفة عن أبي حنيفة ذكرها مالك في كتابه الدارقطني وابن حجر في مسند والبخاري أبي حنيفة في كتاب الرواة عن والخطيب البغدادي وذكرها من المتأخرين مالك الحافظ مغلطاي والشيخ سراج الدين البلقيني وقال الزركشي في نكته : صنف جزءا في الأحاديث التي رواها الإمام الدارقطني عن الإمام أبو حنيفة قال : وقال الحنفية : أجل من روى عن مالك مالك انتهى . وقد ذكر أبو حنيفة القاضي عياض أيضا في المدارك رواية الإمام قال : وروى عنه الأئمة الأجلاء من شيوخه وغيرهم فمن شيوخه من التابعين مالك محمد بن شهاب الزهري ومات قبل بخمس وخمسين سنة مالك ومات قبله بثلاث وأربعين سنة وربيعة بن أبي عبد الرحمن ، ومن شيوخه من غير التابعين وهشام بن عروة بن الزبير بن العوام قرأ نافع بن أبي نعيم القاري عليه القرآن وروى هو عن مالك مالك وابن أبي ذئب ، ومن أقرانه وسليمان بن مهران الأعمش سفيان الثوري والليث بن سعد المصري والأوزاعي وحماد بن أبي سلمة والإمام وسفيان بن عيينة وابنه أبو حنيفة حماد القاضي صاحب وأبو يوسف ، ومن طبقة بعد هؤلاء أبي حنيفة المغيرة بن عبد الرحمن المخزومي المالكي والإمام محمد بن إدريس الشافعي صاحب ومحمد بن الحسن أبي حنيفة وغيرهم من مشاهير الرواة وعد القاضي رحمه الله منهم ألفا ونيفا ، قال : وتركنا كثيرا ممن لم يشتهر . وروى والوليد بن مسلم ابن وهب وابن القاسم عن قال : ما أحد ممن نقلت عنه هذا العلم إلا اضطر إلي حتى سألني عن أمر دينه قال مالك : لا نعلم أحدا تقدم أو تأخر اجتمع له ما اجتمع أبو الحسن الدارقطني وذلك أنه روى عنه رجلان حديثا واحدا بين وفاتيهما نحو من مائة وثلاثين سنة لمالك محمد بن شهاب الزهري شيخه توفي سنة خمس وعشرين ومائة وأبو حذافة السهمي توفي بعد الخمسين والمائتين رويا عنه حديث الفريعة بنت مالك في سكنى المعتدة وتورعه وتثبته في الفتيا مشهور وذكر في الحلية عن أبو نعيم قال : لو شئت أن أملأ ألواحي من قول ابن وهب لا أدري فعلت وعن مالك بن أنس [ ص: 28 ] قال : رأيت رجلا جاء إلى عبد الرحمن بن مهدي يسأله عن شيء أياما ما يجيبه ، فقال : يا مالك بن أنس أبا عبد الله إني أريد الخروج ، قال : فأطرق طويلا ثم رفع رأسه فقال : ما شاء الله يا هذا ، فقال : إني إنما أتكلم فيما أحتسب فيه الخير وليس أحسن مسألتك هذه . وقال سأل رجل ابن مهدي عن مسألة فقال مالكا : لا أحسنها ، فقال الرجل : إني ضربت إليك من كذا وكذا لأسألك عنها ، فقال له مالك : فإذا رجعت إلى مكانك وموضعك فأخبرهم أني قلت لك : لا أحسنها . مالك