( فروع )
في التقليد يضطر إليها مع كثرة الخلاف فيها وحاصل المعتمد من ذلك أنه يجوز ، وكذا من عداهم ممن حفظ مذهبه في تلك المسألة ودون حتى عرفت شروطه وسائر معتبراته فالإجماع الذي نقله غير واحد على منع تقليد كل من الأئمة الأربعة يحمل على ما فقد فيه شرط من ذلك تقليد الصحابة أيضا أن لا يكون مما ينقض فيه قضاء القاضي هذا بالنسبة لعمل نفسه لا لإفتاء ، أو قضاء فيمتنع تقليد غير الأربعة فيه إجماعا كما يعلم [ ص: 110 ] مما يأتي ؛ لأنه محض تشبه وتغرير ، ومن ثم قال ويشترط لصحة التقليد السبكي : إذا قصد به المفتي مصلحة دينية جاز أي : مع تبيينه للمستفتي قائل ذلك . وعلى ما اختل فيه شرط مما ذكر يحمل قول السبكي : ما خالف الأربعة كمخالف الإجماع . ويشترط أيضا اعتقاد أرجحية مقلده ، أو مساواته لغيره لكن المشهور الذي رجحاه جواز ، ولا ينافي ذلك كونه عاميا جاهلا بالأدلة ؛ لأن الاعتقاد لا يتوقف على الدليل لحصوله بالتسامح ونحوه قال تقليد المفضول مع وجود الفاضل الهروي : مذهب أصحابنا أن العامي لا مذهب له أي : معين يلزمه البقاء عليه وحيث اختلف عليه متبحران أي : في مذهب إمامه فكاختلاف المجتهدين . ا هـ . وقضيته جواز ، لكن في الروضة ليس لمفت وعامل على مذهبنا في مسألة ذات قولين ، أو وجهين أن يعتمد أحدهما بلا نظر فيه بلا خلاف بل يبحث عن أرجحهما بنحو تأخره إن كانا لواحد . ا هـ . ونقل تقليد المفضول [ ص: 111 ] من أصحاب الأوجه مع وجود أفضل منه فيه الإجماع لكن حمله بعضهم على المفتي ، والقاضي ؛ لما مر من جواز ابن الصلاح بشرطه وفيه نظر ؛ لأنه صرح بمساواة العامل للمفتي في ذلك فالوجه حمله على عامل متأهل للنظر في الدليل وعلم الراجح من غيره فلا ينافي ما مر عن تقليد غير الأئمة الأربعة الهروي وما يأتي عن فتاوى السبكي ؛ لأنه في عامي لا يتأهل لذلك .
وإطلاق ابن عبد السلام أن من لإمامه في مسألة قولان له تقليده في أيهما أحب يرده ما تقرر وما مر في شرح الخطبة وما في الروضة من الوجهين مفروض كما ترى فيما إذا كانا لواحد ، وإلا تخير لتضمن ذلك ترجيح كل منهما من قائله الأهل كما اقتضاه قوله أيضا : اختلاف المتبحرين كاختلاف المجتهدين في الفتوى .
وقد سبق أن الأرجح التخيير فيهما في العمل ومما يصرح بجواز تقليد المرجوح قول البلقيني في مقلد مصحح الدور في السريجية لا يأثم ، وإن كنت لا أفتي بصحته ؛ لأن الفروع الاجتهادية لا يعاقب عليها . ولا ينافيه قول ابن عبد السلام : يمتنع التقليد في هذه ؛ لأنه مبني على قوله فيها : ينقض قضاء القاضي بصحة الدور . ومر أن ما ينقض لا يقلد . والحاصل أن من ينقضه يمنع تقليده ومن لا ينقضه يجوز تقليده . وفي فتاوى السبكي يتخير العامل في القولين أي : إذا لم يتأهل للعلم بأرجحهما كما مر ، ولا وجد من يخبره به ، لكن مر في شرح الخطبة عنه وعن غيره ما يخالف بعض ذلك فراجعه [ ص: 112 ] بخلاف الحاكم لا يجوز له الحكم بأحدهما إلا بعد علم أرجحيته ، وصرح قبل ذلك بأن له العمل بالمرجوح في حق نفسه ، ويشترط أيضا أن لا يتتبع الرخص بأن يأخذ من كل مذهب بالأسهل منه ؛ لانحلال ربقة التكليف من عنقه حينئذ ، ومن ثم كان الأوجه أنه يفسق به . وزعم أنه ينبغي تخصيصه بمن يتبع بغير تقليد يتقيد به ليس في محله ؛ لأن هذا ليس من محل الخلاف بل يفسق قطعا كما هو ظاهر . وقول ابن عبد السلام للعامل أن يعمل برخص المذاهب ، وإنكاره جهل لا ينافي حرمة التتبع ، ولا الفسق به خلافا لمن وهم فيه ؛ لأنه لم يعبر بالتتبع وليس العمل برخص المذاهب مقتضيا له لصدق الأخذ بها مع الأخذ بالعزائم أيضا وليس الكلام في هذا ؛ لأن من عمل بالعزائم ، والرخص لا يقال فيه أنه متتبع للرخص لا سيما مع النظر لضبطهم للتتبع بما مر فتأمله . والوجه المحكي بجوازه يرده نقل الإجماع على منع تتبع الرخص ، وكذا يرد به قول محقق الحنفية ابن حزم ابن الهمام : لا أدري ما يمنع ذلك من العقل ، والنقل مع أنه اتباع قول مجتهد متبوع ، وقد { } ، والناس في عصر الصحابة ومن بعدهم يسألون من شاءوا من غير تقييد بذلك . ا هـ . وظاهره جواز التلفيق أيضا ، وهو خلاف الإجماع أيضا فتفطن له ولا تغتر بمن أخذ بكلامه هذا المخالف للإجماع كما تقرر وفي الخادم عن بعض المحتاطين الأولى لمن بلي بوسواس الأخذ بالأخف ، والرخص ؛ لئلا يزداد فيخرج عن الشرع ولضده الأخذ بالأثقل ؛ لئلا يخرج عن الإباحة . كان صلى الله عليه وسلم يحب ما خفف على أمته
ويشترط أيضا أن لا يلفق بين قولين يتولد منهما حقيقة مركبة لا يقول بها كل منهما وأن لا يعمل بقول في مسألة ، ثم بضده في عينها كما مر بسط ذلك في شرح الخطبة مع بيان حكاية الآمدي الاتفاق على المنع بعد العمل . ونقل غير واحد عن مثله فيه تجوز ، وإن جريت [ ص: 113 ] عليه ثم فإنه إنما نقل ذلك في عامي لم يلتزم مذهبا قال : فإن التزم معينا فخلاف ، وكذا صرح بالخلاف مطلقا ابن الحاجب القرافي وقيل : ولعل المراد بالاتفاق اتفاق الأصوليين لا الفقهاء فقد جوز ابن عبد السلام الانتقال عمل بالأول أو لا وأطلق الأئمة جواز الانتقال .
وقد أخذ الإسنوي من المجموع وتبعوه أن إطلاقات الأئمة إذا تناولت شيئا ، ثم صرح بعضهم بما يخالف فيه فالمعتمد الأخذ فيه بإطلاقهم .