( فإن الاشتغال ) افتعال من الشغل بفتح أوله وضمه ( بالعلم ) المعهود شرعا وهو التفسير والحديث والفقه وآلاتها واختصاصه بالثلاثة الأول عرف خاص بنحو الوصية ( من أفضل الطاعات ) ففرض عينه لتفرعها عليه وأفضله معرفة الله تعالى لأن العلم يشرف بشرف معلومه وهي واجبة إجماعا وكذا النظر المؤدي إليها ووجوبهما بالشرع عند أكثر أفضل الفروض العينية الأشاعرة إذ لا حكم قبل الشرع وعند بعض منا والمعتزلة بالعقل وبسط ذلك يطول قيل وكل منهما يلزمه دور لا محيد عنه ا هـ .
وليس كذلك ، وفرض الكفاية منه أفضل فروض الكفايات ونفله أفضل من بقية النوافل وكون معرفة الله تعالى أفضل مطلقا ثم بقية العلوم على ما تقرر من التفصيل لا ينافي [ ص: 30 ] عد ذلك من الأفضل إذ بعض الأفضل قد يكون أفضل بقية أفراده ، وقد لا فزعم خروج المعرفة أو إيرادها غير صحيح وحينئذ فأولى معطوف على أفضل كما يأتي ، ويصح عطفه على من أفضل لما تقرر أن كونه أفضل لا ينافي أنه من الأفضل ويؤيده ما صح عن { أنس } فأتى هنا بمن مع أنه صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقا إجماعا فنتج أن كون الشيء من الأفضل لا ينافي كونه أفضل بنص كلام كان صلى الله عليه وسلم من أحسن الناس خلقا هذا الذي هو أقوى حجة في مثل ذلك ، وقالت أنس رضي الله عنها كما صح عنها أيضا فإذا انتهك من محارم الله تعالى شيء كان من أشدهم في ذلك غضبا فأتت بمن مع أنه أشدهم وزعم بعض من لا تحقيق عنده أن من هنا زائدة بخلافها في كلام عائشة . أنس
فإن قلت إذا تقرر أن أفضل الطاعات فما فائدة من الموهمة خلاف ذلك كما هو المتبادر منها الاشتغال بالعلم قلت فائدتها الإشارة إلى التفصيل الذي ذكرته وهو أن كلا من العلوم الثلاثة أفضل بقية أفراد نوعه [ ص: 31 ] ومفضول بالنسبة لنوع آخر أعلى منه ألا ترى أن فرض الكفاية منه وإن كان أفضل بقية فروض الكفايات والنوافل وعليه حمل قول رضي الله تعالى عنه الاشتغال بالعلم أي الذي هو فرض كفاية أفضل من صلاة النافلة هو مفضول بالنسبة للفروض العينية غير العلم ونفله أفضل النوافل كما هو ظاهر كلام الشافعي إذ حمله المذكور بعيد ؛ لأن فرض الكفاية من العلم وغيره أفضل من نفل الصلاة فلا خصوصية للعلم حينئذ ولا بدع أن يخص قولهم أفضل عبادة البدن الصلاة بغير ذلك ومفضول بالنسبة لفروض الكفاية والعين من غير العلم فلم يصح حذف من لهذا الاعتبار لئلا يوهم أنه أفضل من غيره وإن اختلف الجنس فتأمله ثم فضله الوارد فيه من الآيات والأخبار ما يحمل من له أدنى نظر إلى كمال استفراغ الوسع في تحصيله مع الإخلاص فيه إنما هو لمن عمل بما علم حتى يتحقق فيه وراثة الأنبياء وحيازة فضيلة الصالحين القائمين بما تحتم عليهم من حقوق الله تعالى وحقوق خلقه . الشافعي
ويظهر حصول أدنى مراتب ذلك بالاتصاف بوصف العدالة الآتي في باب الشهادات