( ولا خلاف أن وهو الأقل من القيمة والدين فإن استويا تخير أو نقصت القيمة لم يلزمه أكثر منها فاللازم له هو الأقل منهما كما علم مما مر عن للوارث إمساك عين التركة وقضاء الدين ) الذي يلزمه قضاؤه السبكي ومن تبعه بل هو معلوم من قوله تعلقه بالمرهون ؛ إذ الراهن لا يلزمه الوفاء من حيث الرهن إلا بالأقل المذكور فإيراد أن له إمساكها بقيمتها الأقل من الدين عليه غير صحيح ( من ماله ) ؛ لأن المورث الذي هو خليفته له ذلك ومن ثم لم يجز لوصي ولا لقاض بيعها إلا بإذن الوارث الحاضر نعم لو أوصى بدفع عين إليه عوضا عن دينه أو على أن تباع ويوفي دينه من ثمنها أو أوصى ببيع عين من ماله لفلان [ ص: 115 ] عمل بوصيته وامتنع على الوارث إمساكها والقضاء من غيرها ؛ لأنها قد تكون أحل من بقية أمواله وكذا لو اشتملت على جنس الدين ؛ لأن للمستحق الاستقلال بأخذها ذكره الرافعي وسبقه إليه البندنيجي في الأولى والروياني في الثانية ، وأما الأخيرة فلم أر من وافقه ولا من خالفه وإنما يتجه ما ذكره إن قال بدون ثمن المثل أو بغير نقد البلد أو بمؤجل ونحو ذلك مما يظهر فيه أن للتخصيص معنى يعود نفعه على المشتري ، ومنه أن يكون له غرض في خصوص تلك العين ولو بأزيد من ثمن مثلها ، أما لو قال بثمن المثل الحال من نقد البلد أو أطلق ولم يعرف له غرض في تلك العين فالذي يظهر عدم صحة هذه الوصية ؛ لأنها كالعبث وقوله وكذا إلى آخره المراد منه كما دل عليه السياق أن محل قولهم للوارث إمساك التركة والقضاء من ماله حيث لم يكن الدين من جنس التركة وإلا فإن أراد إعطاءه من غير التركة ما هو من جنس دينه فورا أجبر الدائن على القبول كما في نظيره من الرهن الجعلي ؛ لأن امتناعه حينئذ تعنت وتعلق حقه بعين التركة لكونها مرهونة فيه لا يمنع الإعطاء من غيرها المساوي لها ؛ لأن تعلق حقه إنما هو بالذمة حقيقة وبالتركة توثقا .
وإذا كان بالذمة تخير الوارث في قضائه من أي محل شاء حيث لا ضرر على الدائن بوجه وإذا وجبت إجابة الراهن في الرهن الجعلي في نظير ذلك بشروطه مع كونه أقوى بالنظر لما نحن فيه فأولى هذا فإن قلت : قرروا في الوصايا وغيرها أن الأغراض تختلف باختلاف الأعيان فقياسه إجابة دائن له غرض في عين التركة قلت لم يطلقوا ذلك الاختلاف حتى يتأتى ما ذكر وإنما خصوه بما إذا كان حقه متعلقا بأعيان التركة ملكا كأن أوصى لكل وارث بعين هي قدر حصته لا بد من الإجازة حينئذ لاختلاف الأغراض باختلاف الأعيان .
وأما من حقه في الذمة أصالة وليس له في الأعيان إلا التوثق فلا يجاب إلى تعيين عين دون عين مساوية لها لظهور تعنته حينئذ كما تقرر وإن أراد إعطاءه من غير الجنس أو مع تأخير لغير ضرورة فله الأخذ ، لكن إن وجدت شروط الظفر لتعديه بمنع الجنس أو بالتأخير وقد صرحوا بجريان الظفر بشروطه فيما فيه جنس الدين وغيره وبهذا الذي ذكرته ودل عليه كلامهم يرد على من زعم أن للمستحق هنا الاستقلال بالأخذ ثم استشكله بأن الإنسان لا يتعاطى البيع والاستيفاء لنفسه إلا في مسألة الظفر والوالد مع الطفل وبأن [ ص: 116 ] الرافعي ذكر في خلط المغصوب بمثله وقلنا الخلط إهلاك أن للغاصب أن يعطيه من غير المخلوط مع كونه أقرب إلى حقه ولعل الفرق أن ذمة الميت خربت وانتقل الحق إلى عين التركة بخلاف الغاصب فإن العين قد تلفت بالخلط وانتقل الحق إلى ذمته فالذمة هنا كالتركة ثم ا هـ ووجه رده أنه ليس هنا بيع ؛ لأن الفرض في مجرد أخذ من التركة وأنه يوهم أنه لا يأتي هنا ظفر مطلقا وليس كذلك لما علمت من تأتيه في بعض الصور ، وأما ما ذكره من استشكال ما هنا بمسألة الخلط والفرق بينهما فسهو منشؤه عدم تأمل كلامهم هنا وثم وبيانه أنهما على حد سواء ؛ لأن الغاصب بالخلط ملك المخلوط وصار هنا بحق المالك فلا يصح تصرف الغاصب فيه إلا بعد إعطاء المالك للبدل وحينئذ فهذا كالتركة هنا ملك للوارث ومرهونة بالدين فلا يصح تصرفه فيها قبل وفاء الدين ، وإذا تقرر أنهما على حد سواء فما تقرر هنا من التفصيل يأتي ثم فإذا أراد الغاصب إعطاءه من غير المخلوط فامتنع فإن كان البدل الواجب له من جنس المخلوط أو من غير جنسه تأتى جميع ما ذكر وإطلاق الرافعي ثم الإعطاء من غير المخلوط مقيد بما قاله هنا من التفصيل لما علمت من اتحادهما في أن كلا من التركة والمخلوط ملك الوارث والغاصب ومرهون بما في ذمة الميت المنزل منزلته وارثه وبما في ذمة الغاصب فالتعلق بالذمة باق فيهما وزعم خراب ذمة الميت لا يصح هنا ؛ لأن الأصح أن له ذمة صحيحة وأن قولهم ذمة الميت خربت محمول على أن خرابها إنما هو بالنسبة للالتزام دون الإلزام .
ألا ترى أنه لو ثم رأيت آخر كلام ذلك الزعم أنه لا فرق بين المسألتين لكنه استنتجه من تكلف حمله الإعطاء من الغير فيهما على ما إذا حصل تأخير وليس كما زعم بل الحق ما ذكرته فتأمله ، وقضية المتن بل صريحه أن تعدى بحفر ضمن من تردى فيه بعد موته ؛ إذ لا ولاية له عليها حينئذ ، وقولهم إذا لم يوص بقضائه فهو للقاضي مفروص فيما إذا كان في الورثة محجور عليه أو غائب وبهذا يندفع إطلاق بعضهم أن المنقول أنه لا يباع شيء من التركة إلا بإذن القاضي الأهل ؛ لأن ولاية قضاء الدين إليه ؛ لأنه ولي الميت ، والحاصل أن شرط استقلال الوارث بما مر على ما ذكرناه كونه مستغرقا وقصده البيع للوفاء وإذن الغريم له فيه صريحا فلو باعه له بلا إذن لم يصح فيما يظهر ؛ لأن إيجابه وقع بإطلاق فلم يصح قبوله له [ ص: 117 ] ولا ينافيه اغتفار ذلك في الرهن الجعلي على ما يقتضيه كلامهم ؛ لأنه يحتاط هنا أكثر ؛ إذ لو للوارث الحائز الاستقلال بقضاء الدين وقبض دين الميت ووديعته من غير إذن القاضي صح ولو أذن للوارث هنا في ذلك لم يصح كما مر ولو أذن الدائن للراهن أن يتصرف في الرهن لنفسه أجيب الوارث على الأصح فإن الظاهر والأصل عدم الراغب وللناس غرض في إخفاء تركة مورثهم عن إشهارها بالبيع واختار زاد الدين على التركة فطلب الوارث أخذها بالقيمة ولا شبهة في ماله أي : والتركة ومال الغريم لا شبهة فيه وقال الغريم تباع رجاء الزيادة الأذرعي إجابة الغريم نظرا لنفع الميت ؛ إذ النداء يثير الرغبات فإن قلت يؤيده إجابة الغريم فيما لو قال الغريم أنا آخذهما بكل الدين قلت يفرق بأن هنا نفعا محققا للميت وهو سقوط الدين عن ذمته وخلاص نفسه من حبسها بخلاف ذاك فإنها إذا اشتهرت في النداء قد يحصل ذلك وقد لا فأجيب الوارث كما تقرر ونقل الزركشي عن الكفاية عن البحر أنه لو تعلق الدين بعين التركة لم يكن للوارث إمساكها وفيه نظر وإطلاقهم أوجه .