عنه ومنها وقف لمصحف وغيره وحفر بئر وغرس شجر منه في حياته أو من غيره عنه بعد موته ( ودعاء ) له ( من وارث وأجنبي ) إجماعا وصح في الخبر { ( وينفع الميت صدقة ) : إن الله تعالى يرفع درجة العبد في الجنة باستغفار ولده له } وهما مخصصان وقيل ناسخان لقوله تعالى { وأن ليس للإنسان إلا ما سعى } إن أريد ظاهره وإلا فقد أكثروا في تأويله ، ومنه أنه محمول على الكافر أو أن معناه لا حق له إلا فيما سعى ، وأما ما فعل عنه فهو محض فضل لا حق له فيه ، وظاهر مما هو مقرر في محله أن المراد بالحق هنا نوع تعلق ونسبة إذ مطلقا خلافا لا يستحق أحد على الله ثوابا للمعتزلة ومعنى نفعه بالصدقة أنه يصير كأنه تصدق ، واستبعاد الإمام له بأنه لم يأمر به ثم تأويله أنه يقع عن المصدق وينال الميت بركته رده ابن عبد السلام بأن ما ذكروه من وقوع الصدقة نفسها عن الميت حتى يكتب له ثوابها هو ظاهر السنة قال رضي الله عنه وواسع فضل الله أن يثيب المصدق أيضا . الشافعي
ومن ثم قال أصحابنا يسن له نية الصدقة عن أبويه مثلا [ ص: 73 ] فإنه تعالى يثيبهما ولا ينقص من أجره شيئا وقول الزركشي ما ذكر في الوقف يلزمه تقدير دخوله في ملكه ، وتمليكه الغير ولا نظير له . ويرد بأن هذا يلزم في الصدقة أيضا ، وإنما لم ينظروا له ؛ لأن جعله كالمتصدق محض فضل فلا يضر خروجه عن القواعد لو احتيج لذلك التقدير على أنه لا يحتاج إليه بل يصح نحو وللفاعل ثواب البر وللميت ثواب الصدقة المترتبة عليه ، ومعنى نفعه بالدعاء حصول المدعو به له إذا استجيب واستجابته محض فضل من الله تعالى لا تسمى ثوابا عرفا أما نفس الدعاء وثوابه فهو للداعي ؛ لأنه شفاعة أجرها للشافع ومقصودها للمشفوع له وبه فارق ما مر في الصدقة نعم دعاء الولد يحصل ثوابه نفسه للوالد الميت ؛ لأن عمل ولده لتسببه في وجوده من جملة عمله كما صرح به خبر { الوقف عن الميت آدم إلا من ثلاث ثم قال أو ولد صالح أي مسلم يدعو له } جعل دعاءه من عمل الوالد ، وإنما يكون منه ويستثنى من انقطاع العمل إن أريد نفس الدعاء لا المدعو به وأفهم المتن أنه لا ينفعه غير ذينك من سائر العبادات ولو القراءة نعم ينفعه نحو ركعتي الطواف تبعا للحج والصوم عنه السابق في بابه . ينقطع عمل ابن
وفارق كالحج القراءة لاحتياجه فيهما لبراءة ذمته مع أن للمال فيهما دخلا ومن ثم لو مات وعليه قراءة منذورة احتمل كما قاله السبكي جوازها عنه وفي القراءة وجه وهو مذهب الأئمة الثلاثة على اختلاف فيه عن بوصول ثوابها للميت بمجرد قصده بها ولو بعدها ، واختاره كثيرون من أئمتنا قيل فينبغي نيتها عنه لاحتمال أن هذا القول هو الحق في نفس الأمر أي فينوي تقليده لئلا يتلبس بعبادة فاسدة في ظنه ولا ينافيه في رعاية احتمال كونه الحق منازعة مالك السبكي في بعض ماصدقاته حيث قال لم يصرح أحد بأن مجرد النية بعدها يكفي قال ومن عزاه للشالوسي من أصحابنا فقد وهم ؛ لأنه إنما يقول بإفادة الجعل والظاهر أنه لا يشترط الدعاء [ ص: 74 ] وعليه فهو ليس من المختلف في حرمته ؛ لأن الذي منه أن يقرأ عنه أو له ؛ لأن جعله عبادته نفسها لغيره يخرجه عن كونه متقربا بها لربه ، وإنما الذي فيه تصرفه في الثواب وهو غير القربة بجعله لغيره ولم يقل به ؛ لأن الشرع لم يجعل له تصرفا فيه قبل حصوله ولا بعده بنية ولا جعل لكنه خالف ذلك فقال الإيثار بالقرب كابن الرفعة الذي دل عليه الخبر بالاستنباط أن نفعه إذ قد ثبت أن { بعض القرآن إذا قصد به نفع الميت } وإذا نفعت الحي بالقصد كان نفع الميت بها أولى ا هـ . القارئ لما قصد بقراءته نفع الملدوغ نفعته ، وأقر ذلك صلى الله عليه وسلم بقوله وما يدريك أنها رقية
ولك رده بأن الكلام ليس في مطلق النفع بل في حصول ثوابها له ، وهذا لا يدل عليه حديث الملدوغ لما قرره هو أن الشرع لم يجعل له تصرفا فيه بنية ولا بجعل نعم حمل جمع عدم الوصول الذي قال عنه المصنف في شرح : إنه مشهور المذهب على ما إذا قرأ لا بحضرة الميت ولم ينو القارئ ثواب قراءته له أو نواه ولم يدع له أما الحاضر ففيه خلاف منشؤه الخلاف في أن مسلم يحمل على ماذا فالذي اختاره في الروضة أنه كالحاضر في شمول الرحمة النازلة عند القراءة له ، وقيل محملها أن يعقبها بالدعاء له ، وقيل أن يجعل أجره الحاصل بقراءته للميت وحمل الاستئجار للقراءة على القبر الرافعي على هذا الأخير الذي دل عليه عمل الناس وفي الأذكار أنه الاختيار قول الشالوسي إن قرأ ثم جعل الثواب للميت لحقه وأنت خبير أن هذا كالثاني صريح في أن مجرد نية وصول الثواب للميت لا يفيد ولو في الحاضر ، ولا ينافيه ما ذكره الأول ؛ لأن كونه مثله فيما ذكر إنما يفيده مجرد نفع لا حصول ثواب القراءة الذي الكلام فيه ، وقد نص والأصحاب على ندب الشافعي أي ؛ لأنه حينئذ أرجى للإجابة ، ولأن الميت يناله بركة القراءة كالحي الحاضر [ ص: 75 ] لا المستمع ؛ لأن الاستماع يستلزم القصد فهو عمل وهو منقطع بالموت وسماع الموتى هو الحق وإن قيل لا يلزم من السلام عليهم سماعهم ؛ لأن القصد به الدعاء بالسلامة لهم من الآفات كما في السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين قال قراءة ما تيسر عند الميت والدعاء عقبها وينبغي الجزم بنفع اللهم أوصل ثواب ما قرأناه أي مثله فهو المراد ، وإن لم يصرح به لفلان ؛ لأنه إذا نفعه الدعاء بما ليس للداعي فما له أولى ، ويجري هذا في سائر الأعمال وبما ذكره في أوصل ثواب ما قرأناه إلى آخره يندفع إنكار ابن الصلاح البرهان الفزاري قولهم اللهم أوصل ثواب ما تلوته إلى فلان خاصة وإلى المسلمين عامة ؛ لأن ما اختص بشخص لا يتصور التعميم فيه ا هـ .
ثم رأيت الزركشي قال الظاهر خلاف ما قاله فإن الثواب يتفاوت فأعلاه ما خصه وأدناه ما عمه وغيره والله تعالى يتصرف فيما يعطيه من الثواب بما يشاء [ ص: 76 ] ومنع التاج الفزاري من معللا له بأنه لا يتجرأ على جنابه الرفيع بما لم يؤذن فيه شيء انفرد به ومن ثم خالفه غيره واختاره إهداء القرب لنبينا صلى الله عليه وسلم السبكي رحمه الله ، ومر في الإجارة ما له تعلق بذلك ولو صح ثم من قرأ على قبره مدة حياته استحق الوصية وإلا فلا كذا أفتى به بعضهم وفي فتاوى أوصى بكذا لمن يقرأ على قبره كل يوم جزء قرآن ، ولم يعين المدة الأصبحي لو حكم العرف في غلة كل سنة بسنتها فمن قرأ بعضها استحق بالقسط أو كلها استحق غلة السنة كلها أو بنفس الأرض فإن عين مدة لم يستحق الأرض إلا من قرأ جميع المدة ، وإن لم يعين مدة فالاستحقاق تعلق بشرط مجهول لا آخر لوقته فيشبه مسألة الدينار المجهولة ا هـ ومراده بمسألة الدينار ما مر في الفرع قبل قوله وتصح بحج تطوع واعترض بأنه لا يشبهها أي لإمكان حمل هذا على أنه شرط لاستحقاق الوصية قراءته على قبره جميع حياته فليحمل عليه تصحيحا للفظ ما أمكن ومر في الوقف ما له تعلق بذلك فراجعه أوصى بوقف أرض على من يقرأ على قبره