( وللموصي والوصي العزل ) أي لكن يلزمه إعلام الحاكم فورا وإلا ضمن ( متى شاء ) لجوازها من الجانبين كالوكالة نعم إن تعين على الوصي بأن لم يوجد كاف غيره أو غلب على ظنه تلف المال باستيلاء ظالم أو قاضي سوء كما هو الغالب لم يجز له عزل نفسه ولم ينفذ لكن لا يلزمه ذلك مجانا بل بالأجرة وهل له أن يتولى أخذها إن خاف من إعلام قاض جائر لتعذر الرفع إليه والتحكيم ؛ لأنه لا بد فيه من رضا الخصمين محل نظر ولو قيل بجوازه بشرط إخبار عدلين عارفين له بقدر أجرة مثله ولا يعتمد معرفة نفسه احتياطا لم يبعد والأوجه أنه يلزمه القبول في هذه الحالة ، وأنه يمتنع عزل الموصى له حينئذ لما فيه من ضياع نحو ودائعه أو مال أولاده ، ويمتنع عليه عزل نفسه أيضا إذا كانت إجارة بعوض فإن كانت بعوض من غير عقد فهي جعالة [ ص: 95 ] قال للموصي عزل الوصي وللوصي عزل نفسه الماوردي واعترض بأن شرط صحة الإجارة إمكان الشروع في المستأجر له عقب العقد وهنا ليس كذلك وبأن شرطها العلم بأعمالها ، وأعمال الوصاية مجهولة وأجاب السبكي عن الأول بأن صورته أن يستأجره الموصي على أعمال لنفسه في حياته ولطفله بعد موته أو يستأجره القاضي على الاستمرار على الوصية لمصلحة رآها بعد موت الموصي ويجاب عن الثاني بأن الغالب علمها وبأن مسيس الحاجة إليها اقتضى المسامحة بالجهل بها . وقول الكافي : لا يصح الاستئجار لذلك ضعيف ، وإذا لزمت الوصاية بإجارة وعجز عنها استؤجر عليه من ماله من يقوم مقامه فيما عجز عنه وجاز ذلك مع أنها إجارة عين وهي لا يستوفى فيها من غير المتعين قال الأذرعي : لأن ضعفه بمنزلة عيب حادث فيعمل الحاكم ما فيه المصلحة من الاستبدال به والضم إليه ( تنبيه )
تسمية رجوع الموصي عن الإيصاء إليه عزلا مع أنه لا عبرة بالقبول في الحياة كما مر مجاز وكذا تسمية رجوع الوصي عن القبول إذ قطع السبب الذي هو الإيصاء بالرجوع عنه أو بعدم قبوله منزل منزلة قطع المسبب الذي هو التصرف لو ثبت له وبهذا الذي قررته اندفع بناء السبكي لذلك على ضعيف أن العبرة بالقبول في الحياة ، وبما تقرر في مسألة الإجارة يعلم بطلان جعله لمن يتجر لطفله شيئا أجرة ، وكذا تبطل الوصية له كل سنة بكذا أو ما دام وليا على ولده في غير السنة الأولى كما مر لأن الجهل بآخر مدة استحقاقه يصيرها مجهولة لا يمكن اعتبارها من الثلث كمسألة الدينار المشهورة وإفتاء بعضهم بصحتها وهم . وحكى الإمام عن والده أنه لم يجز العدول عنه لمتبرع قال لو جعل لوصيه جعلا قدر أجرة المثل الإمام ومحله إن كان الوصي كافيا والجعل يفي به الثلث فإن لم يكف أو زاد الجعل على الثلث ولم يرض بالثلث فالوجه القطع بالعدول للمتبرع ( وإذا بلغ الطفل ) أو أفاق المجنون أو رشد السفيه ( ونازعه ) أي بحاله الوصي ( في ) أصل أو قدر نحو ( الإنفاق ) اللائق ( عليه ) أو على ممونه ( صدق الوصي ) بيمينه ، وكذا قيم الحاكم لأن كلا منهما أمين ويتعذر عليه إقامة البينة عليه بخلاف البيع للمصلحة .
أما غير اللائق فيصدق الولد فيه قطعا [ ص: 96 ] بيمينه لتعدي الوصي بفرض صدقه ، ولو تنازعا في الإسراف وعين القدر نظر فيه وصدق من يقتضي الحال تصديقه ، وإن لم يعين صدق الوصي وما ذكر في الحالة الأولى من احتياج الولد لليمين فيه نظر ظاهر والذي يتجه أخذا مما تقرر آخرا أنه متى علم في شيء أنه غير لائق لم يحتج ليمين الولد بل إن كان من مال الولي فلغو أو الولد ضمنه ، ولو اختلفا في شيء أهو لائق أو لا ؟ ولا بينة صدق الوصي بيمينه ؛ لأن الأصل عدم خيانته أو في تاريخ موت الأب وأول ملكه للمال المنفق عليه منه صدق الولد بيمينه وكالوصي في ذلك وارثه ويؤيده قولهم لو صدق الوارث بيمينه وقول ادعى وارث الوديع أن مورثه رد على المالك البغوي : لا بد من البينة ضعيف . وللأصل الإنفاق من ماله للمصلحة ويصدق بيمينه في قصده الرجوع فيرجع بخلاف نحو الوصي لا يرجع إلا إن أذن له القاضي ، وكذا إذا وفى الوصايا أو مؤن التجهيز من ماله لا يرجع إلا إن أذن له فيه أو قصد الرجوع وأشهد عليه عند فقد الحاكم كما مر وكان ذلك لمصلحة تعود على المولى ككساد ماله ورجاء ربحه بتأخير بيعه ، نعم : إن دفع الوصي ، ولو وارثا بإذن الورثة في الأولى وبقيتهم في الثانية رجع عليه وعليه يحمل إطلاق العبادي رجوع الوارث ( أو ) تنازعا ( في دفع ) المال ( إليه بعد البلوغ ) أو الإفاقة أو الرشد أو في إخراجه الزكاة من ماله كما هو ظاهر .
وصرح به بعضهم ( صدق الولد ) بيمينه ، ولو على الأب ؛ لأنه لا تعسر إقامة البينة عليه وهذه لم تتقدم في الوكالة ؛ لأن تلك في القيم وهذه في الوصي وليس مساويا له من كل وجه ، نعم : حكايته الخلاف في القيم وجزمه في الوصي معترض بأن الخلاف فيهما ويصدق أحدهما في عدم الخيانة وتلف بنحو غصب أو سرقة كالوديع لا في نحو بيع لحاجة أو غبطة أو ترك أخذ بشفعة لمصلحة إلا ببينة بخلاف الأب والجد يصدقان بيمينهما والأوجه أن الحاكم الثقة الأمين [ ص: 97 ] مثلهما وإلا فكالوصي وعلى هذا التفصيل يحمل ما وقع للسبكي وغيره في ذلك من التناقض ذكره ولا يطالب أمين كوصي ومقارض وشريك ووكيل بحساب بل إن ادعى عليه خيانة حلف في الوصي ابن الصلاح والهروي في أمناء القاضي ومثلهم بقية الأمناء وأفهم كلام القاضي أن الأمر في ذلك كله راجع لرأي القاضي بحسب ما يراه من المصلحة ورجح ، ولو لم يندفع نحو ظالم إلا بدفع نحو مال لزم الولي دفعه ويجتهد في قدره ويصدق فيه بيمينه ، ولو بلا قرينة على الأوجه أو إلا بتعيينه جاز له بل يلزمه أيضا لكن لا يصدق فيه لسهولة إقامة البينة عليه .
ولو رفع للحاكم ليبيعه أو اشترى من وصي آخر مستقل كما أفتى به أراد وصي شراء شيء من مال الطفل الأذرعي ولا يجوز له أن يبيع ممن لا يبيع له الوكيل وينعزل بما ينعزل به ولا تقبل شهادته لموليه فيما هو وصي فيه إن قبل الوصاية وإلا قبل وإن قال أوصى إلي فيه ، وكذا لو عزل نفسه قبل الخوض فيه ، ولو اشترى شيئا من وصي وسلمه الثمن فكمل المولى عليه وأنكر كون البائع وصيا عليه واسترد منه المبيع رجع على الوصي بما أداه إليه وإن وافقه على أنه وصي خلافا للقاضي لقولهم لو اشترى شيئا مصدقا لبائعه على ملكه له ثم أقبضه الثمن ثم استحق رجع عليه بالثمن ؛ لأنه إنما أقر له بناء على ظاهر الحال ، وكذا لو اشترى شيئا من وكيل وسلمه الثمن وصدقه على الوكالة ثم أنكرها الموكل ونزع منه المبيع فيرجع على الوكيل ومن لم يصدق إلا ببينة كما رجحه اعترف أن عنده مالا لفلان الميت وزعم أنه قال له هذا لفلان أو أنت وصيي في صرفه في كذا الغزي وغيره وهو أحد وجهين في الثانية وترجيح السبكي في الأولى أنه يصرف للمقر له بعيد إلا أن يكون مراده أنه يجوز له بل يلزمه باطنا دفعه له لكن هذا لا نزاع فيه ، ولو باع الوصي الثلث بنقد البلد كما أشار إليه أوصى بثلث تركته لمن يصرفها في وجوه البر وهي مشتملة على أجناس مختلفة البلقيني في فتاويه .
قال غيره وهو مراد الأصحاب بلا شك وفيها فيمن أوصى بأنه نذر بشيء أنه يصرف في وجوه البر والقربات أنه يصرف في ذلك ، ووجوه البر ما تضمنه قوله تعالى : { وآتى المال على حبه ذوي القربى } الآية والقربات كل نفقة في واجب أو مندوب ا هـ ملخصا وما ذكره في وجوه البر خالف فيه قول الشيخين إن أفرد البر أو الخير أو الثواب كأن قال لسبيل البر اختص بأقارب الميت أي غير الوارثين [ ص: 98 ] لما مر أنهم لا يعطون لكن نازعهما في ذلك جمع وأطالوا لا سيما الأذرعي في التوسط قال بعضهم وفيما إذا فوض للوصي التفرقة بحسب ما يراه يلزمه تفضيل أهل الحاجة لا سيما من أقارب الميت إذ عليه في تقدير الأنصباء رعاية مصلحة الميت بما فيه مزيد أجره وثوابه بحسب ما يراه وهو متجه المدرك وإن كان خلاف قضية إطلاقهم أن محارمه الذين لا يرثونه أولى ، ولو بطلت الوصية في نصف ما عينه إذا أيس من معرفة وصيته كما أفتى به غير واحد وإفتاء بعضهم بصحتها كما لو أوصى بثلثه ولم يذكر مصرفا مردود بأن غالب الوصايا للمساكين فحمل المطلق عليه وهنا لا سبيل للصرف إليهم مع احتمال أن المصرف الذي جهل غيرهم من غير قرينة تدل عليه ولك أن تقول ينبغي الصحة في الكل لا لما ذكر بل ؛ لأن الغالب بل والمطرد في الوصية أنها لا تكون إلا في جهة خير فإذا جهل ما أوصى به حمل على أنه من جملة جهات الخير التي ذكرها بل الظاهر أنه إنما سكت عن بيان ما أوصى به لشمول قوله ولجهات الخير له والعمل بما دلت عليه القرائن جائز للوصي الرجوع إليه أوصى لإنسان بجزء من ماله يصرفه فيما أوصى به ولجهات الخير فمات ولم يعلم ما أوصى به