( تنبيه ) علم مما مر ضبط مسائل الباب بأن الطلاق إما أن يقع بائنا بالمسمى إن صحت الصيغة والعوض ، أو بمهر المثل إن فسد العوض فقط ، أو رجعيا إن فسدت الصيغة ، وقد نجز الزوج الطلاق ، أو لا يقع أصلا إن تعلق بما لم يوجد فعلم أن من فيقع بائنا بأن تكون رشيدة وكل منهما يعلم قدره ، ولم يتعلق به زكاة [ ص: 505 ] خلافا لما أطال به علق طلاق زوجته بإبرائها إياه من صداقها لم يقع عليه إلا إن وجدت براءة صحيحة من جميعه الريمي أنه لا فرق بين تعلقها وعدمه ، وإن نقله عن المحققين ونقله غيره عن إطباق العلماء من المتأخرين وذلك لبطلان هذين النقلين ولأن الإبراء لا يصح من قدرها ، وقد علق بالإبراء من جميعه فلم توجد الصفة المعلق عليها وزعم أن الظاهر أنه إنما يقصد براءة مما تستحقه هي ليس في محله بل الظاهر أنه يقصد براءة ذمته من جميع ما فيها ؛ إذ لو علم أن مستحقي الزكاة يتعلقون به بعد الطلاق لم يوقعه وكثيرون يغفلون النظر لهذا فيقعون في مفاسد لا تحصى ، وفي فتاوى أبي زرعة في يشترط علمهما وأن تريد الإبراء من الصداق المعلق به فحينئذ يقع بائنا فإن قالت لم أرد ذلك لم يقع ا هـ . إن أبرأتني من صداقك علي فأنت طالق فقالت له أبرأتك
والذي يظهر أن الشرط عدم الصارف لا قصد ما ذكره ؛ لأن الجواب منزل على السؤال كما صرحوا به ولو علق بالإبراء تناول الإبراء عن الغير وكالة كما لو حلف لا يبيع يحنث ببيعه عن غيره وكالة ولو لم يقبل على ما فيه مما يأتي ولو قالت جعلت مهري على تمام طلاقي كان كناية في الإبراء كما قاله بعضهم وكأنه لم ينظر لما فيه من تعليق الإبراء المبطل له ؛ لأن المدار في الكناية على النية والفرض أنها لم تنو التعليق نظير ما مر آنفا في بذلت صداقي على طلاقي ونظائره ، ولو قال إن أبرأتني من آخر أقساط من صداقك كان لفظه محتملا فإن جعل من الثانية بيانية اشترط إبراؤه من القسط الأخير ، أو تبعيضية اشترط إبراؤه من الثلاثة الأخيرة لضرورة أن أقل الجمع ثلاثة مع كون لفظ الآخر حقيقة في القسط الأخير والضرورة تتقدر بقدرها فإن أطلق فالأوجه الأول والأحوط الثاني قاله بعضهم ، وفيه نظر ظاهر ؛ إذ لا فرق بين البيان والتبعيض هنا عملا بقضية من آخر الدال على أن المطلوب الإبراء من الآخر حقيقة فليتقيد الوقوع به لا غير ولو قال أبرئيني وأعطيك كذا فأبرأته فلم يعطها فأفتى طلب منها الإبراء فأبرأته براءة فاسدة فنجز الطلاق وزعم أنه إنما أوقعه لظنه صحة البراءة ابن عجيل وإسماعيل الحضرمي بعدم صحة البراءة .
وتبعهما أبو شكيل فقال حيث حصل بينهما موطأة ، أو تواعد ، ولم يف بالوعد لم يصح الإبراء وغيره فقال ما قالاه هو المعتمد ؛ لأن معنى قولها أبرأتك [ ص: 506 ] أي بما وعدت وأيده بعضهم أيضا بما في فتاوى الأصبحي أن من علق الطلاق بما يقتضي الفورية فأبرأته لا فورا ظانة أنها طلقت لم تصح البراءة كما أفتى به ، وهو كما أفتى أخذا من نظائرها في الصلح ا هـ قال بعضهم وظنها حصول الطلاق يرجح أن مرادها أبرأتك في مقابلة طلاقي فتلغو البراءة عند انتفائه وهذا كله منازع فيه بأنه لا نظر إلى المواطأة والوعد كسائر العقود وهذا هو القياس فليكن الأوجه صحة البراءة مطلقا في المسألتين ؛ إذ لا عبرة عند الإتيان بصريحها بنية كونها في مقابلة الوعد ، أو الطلاق وليس هذا بأولى من مواطأة المحلل على الطلاق ووعده به ؛ إذ قولها أبرأتك ناوية ذلك كقول الولي زوجتك ناويا ذلك فكما لم ينظروا للنية ثم بل عملوا بالصريح المخالف لها فكذلك هنا بل أولى ؛ لأن النكاح يحتاط له ما لا يحتاط للإبراء وبهذا يظهر أن الوجه في قوله أنت طالق بعد قولها بذلت صداقي على صحة طلاقي وقوعه رجعيا وإن ظن أن ما جرى منها التماس للطلاق بعوض صحيح لما تقرر أنه لا عبرة مع الصريح بظن يقتضي خلافه ، وبه يرد على من زعم حالة ظن التماسها المذكور أنه لا يقع ؛ لأن جوابه يقدر فيه إعادة ذكر العوض فكأنه قال أنت طالق على العوض المذكور ولو قال ذلك لم تطلق ؛ إذ لا عوض هنا صحيح ولا فاسد ا هـ . القاضي حسين
ومر ماله تعلق بذلك فراجعه ، وإنما قدر الثمن المذكور في اللفظ بعده في نحو البيع ؛ لأن الجواب لا يستقل به قائله لتوقف الصحة على اللفظين بخلاف هنا ؛ لأنه يستقل بالطلاق ، وهي تستقل بالإبراء فلم يحتج لذلك التقدير على أن ذكر الثمن ثم وقع في صيغة صحيحة ملزمة وذكر مقابل البراءة ، أو الطلاق لم يقع هنا كذلك فلم ينظر إليه ولا إلى القرينة القاضية به ؛ لأنها لا تؤثر في الفاسد حتى تقلبه صحيحا ، وإنما تؤثر في صرف الصحيح عن قضيته إذا قويت بحيث صارت تلك الصيغة مع النظر لتلك القرينة يتبادر منها صرفها لها عن موضعها كما لو قال طلقت ثم قال ظننت أن ما جرى بيننا طلاق وقد أفتيت بخلافه فإنه إن وقع بينهما خصام قبل ذلك في طلقت أهو صريح أم لا كان ذلك قرينة ظاهرة على صدقه فلا يحنث ، وإلا حنث ويأتي قريبا أن القرينة المخالفة لوضع اللفظ لغو فلا ينافي ما هنا ؛ لأن ذاك في قرينة لفظية .
وما هنا في قرينة حالية فاندفع ما لبعضهم هنا وليس هذا كمن أقر بطلاق ، أو عتق مع قرينة ؛ لأن الإقرار لكونه [ ص: 507 ] إخبارا عن حق سابق تؤثر فيه القرينة ما لا تؤثر في الإنشاء ولو لم تطلق الآن مضت السنة ، ولم تطالبه ؛ إذ المراد بالتأخير التزامه لا مجرد قولها أخرت خلافا قال أنت طالق إن أخرت دينك إلى آخر السنة فإن أراد بالتأخير صيرورته مؤجلا فأجلته بالنذر وقع وإلا فلا وزعم أنه بالنذر لا يسمى تأجيلا ممنوع ولو قال إن أبرأتني من مهرك ، وهو عشرة فأبرأته منه فبان أقل مما ذكره ، أو أكثر فالذي يظهر الوقوع في الأولى ؛ لأن الشرط علمهما ، وقد صرحوا بأن الإبراء من الأكثر يستلزمه من الأقل فصار لشمول كلامه له كأنه يعلمه دون الثانية ؛ لأنه حينئذ جاهل به ومع جهله به لا وقوع ؛ لأن الطلاق بالإبراء معاوضة ، وهي لا بد فيها من علمهما بالعوض وإطلاق الوقوع هنا ، أو عدمه غلط فاحذره ومسألة ، وهو ثمانون السابقة غير هذه فتأمله ولو لابن الصلاح فقياس ما مر عن كان لها في ذمته معلوم ومجهول فقال إن أبرأتني من جميع ما في ذمتي فأنت طالق فأبرأته من المعلوم وحده ، أو منهما أنه لا يبرأ عن المعلوم ؛ لأنها إنما أبرأت في مقابلة الطلاق ، ولم يقع وقياس ما مر عن غيره البراءة ويأتي ذلك فيما لو طلقها ثلاثا علق طلاقها بالإبراء فأبرأته ظانة أنها في عصمته القاضي حسين