( تنبيه مهم ) محل قبول دعوى نحو النسيان ما لم يسبق منه إنكار أصل الحلف أو الفعل أما إذا لم يقبل كما بحثه أنكره فشهد الشهود عليه به ثم ادعى نسيانا أو نحوه الأذرعي وتبعوه وأفتيت به مرارا للتناقض في دعواه فألغيت وحكم لقضية ما شهدوا به ، وإن ثبت الإكراه ببينة فيما يظهر ؛ لأنه مكذب لها بما قاله أو لا بخلاف ما إذا أقر بذلك فيقبل دعواه لنحو النسيان لعدم التناقض ومر أن الإكراه لا يثبت إلا ببينة مفصلة ( أو ) بأن تقضي العادة والمروءة بأنه لا يخالفه ويبر يمينه لنحو حياء أو صداقة أو حسن خلق قال في التوشيح فلو نزل به عظيم قرية فحلف أن لا يرحل حتى يضيفه فهو مثال لما ذكر ( وعلم ) ذلك الغير ( به ) أي بتعليقه يعني وقصد إعلامه به ويعبر عنه بقصد منعه من الفعل فمراد المتن يعلم ذلك العلم والمقصود منه ، وهو الامتناع من الفعل [ ص: 123 ] المقصود من التعليق ويقبل قوله لم أعلم ، وإن تحقق علمه لكن طال الزمن بحيث قرب نسيانه لذلك كما أفتى به بعضهم ( فكذلك ) لا يحنث بفعله ناسيا للتعليق أو المعلق به أو مكرها عليه . علق ( بفعل غيره ) من زوجة أو غيرها ( ممن يبالي بتعليقه )
ومنه أن يعلق بانتقال زوجته من بيت أبيها فيحكم القاضي عليه أو عليها به ، وإن كان هو المدعي كما اقتضاه إطلاقهم وليس من تفويت البر بالاختيار كما هو ظاهر ؛ لأن الحكم ليس إليه ويقاس بذلك نظائره أو جاهلا بالتعليق أو المعلق به ويظهر أن معرفة كونه ممن يبالي به يتوقف على بينة ، ولا يكتفى فيه بقول الزوج إلا إن كان فيه ما يضره على ما يأتي ، ولا المعلق بفعله لسهولة علمه من غيره كالإكراه بخلاف دعواه النسيان أو الجهل فإنه يقبل ، وإن كذبه الزوج كما لو لا تطلق كما اقتضاه كلام فوض إليها الطلاق بكناية فأتت بها وقالت لم أنو وكذبها الشيخين وتابعيهما وقال الماوردي تطلق باعترافه ، وهو وجيه ، وإن رد بأن شرط الإقرار أن يكون بما يمكن المقر أن يعلم به وعلمه بالنية أو بالتذكر والتعمد متعذر فلم يقتض تكذيبه وقوع الطلاق عليه وغاية ما فيه أنا شاكون في الوقوع والشك فيه لا أثر له وظاهر أن محل الخلاف في مجرد تكذيبه لها أما لو ادعت عليه بنفقتها مثلا فقال لا تلزمني ؛ لأنك نويت فلا بد من حلفها فإن نكلت فحلف طلقت اتفاقا ؛ لأن نكولها قرينة مسوغة لحلفه فكان كإقرارها ويجري هذا كما هو ظاهر فيما لو علق بكل ما لا يعلم إلا منها كمحبتها له وادعاها فأنكرت .
ومن دعوى الجهل بالمحلوف عليه أن تريد الخروج لمحل معين فيحلف أنها لا تخرج فتخرج ثم تدعي أنه لم يحلف إلا على الخروج لذلك المحل وأنها لم تخرج إليه فلا حنث لقيام القرينة على صدقها في اعتقادها المذكور [ ص: 124 ] وهو مستلزم لجهلها بالمحلوف عليه وحينئذ فلا نظر هنا إلى تكذيب الزوج لها أيضا قال الجلال البلقيني ولو صدقه الزوج في دعوى النسيان وكذبته حلف الزوج لا المعلق بفعله ويؤيده قول والده ، وإن كان مخالفا لترجيح الشيخين في الأيمان في إن خرجت بغير إذني الآتي قبيل الفصل في إن خرجت بغير إذن أبيك فخرجت فقال الزوج بإذنه وأنكر حلف الزوج لا الأب ، وإن وافقته ولو ادعى النسيان ثم العلم لم يعمل بما قاله ثانيا ( وإلا ) بأن لم يبال بتعليقه كسلطان أو حجيج علق بقدومه علم أو لا قصد إعلامه أو لا أو بالى به ، ولم يعلم ، وقد قصد إعلامه لكن هذه غير مرادة ؛ لأن المنقول المعتمد فيها عدم الوقوع كما يأتي نعم إن أريد بعلم غايته فقط ، وهو قصد الإعلام لم ترد عليه هذه على أن قرينة قوله قطعا تخرجها إذ من تأمل سياقه علم أن فيها الخلاف وأن الراجح عدم الحنث أو بالى به ، ولم يقصد إعلامه لحثه أو لمنعه ، وإن علم به ( فيقع قطعا ) ولو مع نحو النسيان أو الإكراه ؛ لأن الحلف لم يتعلق به حينئذ غرض حث ، ولا منع ، وإنما هو منوط بوجود صورة الفعل .
نعم لو لم يقع كما في الكفاية عن علق بقدوم زيد ، وهو عاقل فجن ثم قدم الطبري وظاهره أنه لا فرق بين أن يبالي زيد به ويقصد إعلامه وأن لا ، وفيه نظر لما مر في شرح قوله وقع عند اليأس من الدخول أن الدخول من المجنون كهو من العاقل ثم رأيتهم صرحوا بأنه لو علق بتكليمها زيدا فكلمته ناسية أو مكرهة أو مجنونة لم يحنث [ ص: 125 ] قال القاضي إلا إن علق بذلك ، وهي مجنونة ، وهذا صريح في أن الأصحاب قائلون بعدم الفرق وإن كلام القاضي والطبري مقالة مخالفة لكلامهم وعليها فقد يفرق بينه وبين ما قبله بأن من شأن فعل من طرأ جنونه بعد الحلف أنه لا يقصد بالحلف أصلا فلم يتناوله اليمين بخلاف فعل نحو الناسي ، ولا يرد على المتن عدم الوقوع في نحو طفل أو بهيمة أو مجنون علق بفعلهم فأكرهوا عليه ؛ لأن الشارع لما ألغى فعل هؤلاء وانضم إليه الإكراه أخرجه عن أن ينسب إليهم وبه فارق الوقوع مع الإكراه فيما ذكر آنفا وبما أولت به المتن أن المراد بالعلم هو غايته المذكورة وأن سياقه يخرج تلك الصورة اندفع استشكال جمع له بأنه يقتضي القطع بالوقوع فيها مع كونه جاهلا فكيف يقع بفعله قطعا دون الناسي أو المكره أو الجاهل بالمحلوف عليه مع أنه أولى بالعذر منه لسبق علمه على أن الإسنوي نقل عن الجمهور أن فيه القولين أظهرهما لا حنث ولقوة الإشكال حمل السبكي المتن على ما عدا هذه .
واستدل بعبارة الروضة وتبعه غيره فقال ويستثنى من المنهاج ما إذا قصد إعلام المبالي ، ولم يعلم فلا يحنث كما اقتضاه كلام الروضة وأصلها أي ونقله الزركشي عن الجمهور ولوضوح هذا الاستثناء من سياقه أو لتأويل عبارته أطال المحققون في رد الاعتراض عليه كالبلقيني وولده الجلال وأبي زرعة لكنه فصل فيه تفصيلا في فتاويه في بعضه نظر ، وأما حمل المتن ليوافق الاعتراض على أن المراد ، وإلا يحصل علم ، ولا مبالاة [ ص: 126 ] فالقطع بالوقوع مرتب على انتفائهما معا دون أحدهما فمردود بقطعهم به فيما إذا لم يبال به وعلم ولو أطلق فلم يقصد حثا ، ولا منعا ، ولا تعليقا محضا بل أخرجه مخرج اليمين وقع عند وجرى عليه جمع ، وإن رده تلميذه ابن الصلاح ابن رزين بأن الأصحاب أطلقوا فيها القولين ومختار كثيرين منهم الرافعي عدم الوقوع ووجهه بأن الغالب ممن يحلف على فعل مستقبل من مبال أنه يقصد حثه أو منعه فلم يقع مع نحو النسيان إلا أن يصرفه بقصد وجود صورة الفعل .
وكان الفرق بين هذا وما مر عنه في فعل نفسه أنه لا غالب في فعل نفسه بل التعليق فيها خارج مخرج اليمين المجردة فأثر مطلقا إلا إن تحقق قصده لحث نفسه أو منعها بخلاف فعل الغير فإن الغالب فيه ما مر فلم يؤثر التعليق إلا مع تحقق صرفه عن ذلك بأن يقصد به مجرد صورة الفعل ، وفيه ما فيه وإذا لم يقع بفعل نحو الناسي لا تنحل به اليمين كما قالاه في موضعين واعتمده البلقيني وغيره ، وإن اقتضى كلامهما في ثالث الانحلال واعتمده الإسنوي وعلى الأول يفرق بين هذا وانحلالها في شك معلق القضاء بالهلال فيه فأخر فبان أنه الليلة الماضية بتعذر الحنث في هذه بعد فلا فائدة لبقاء اليمين بخلافه في مسألتنا ويؤخذ من عدم انحلالها بما أكره عليه أن من لم يحنث بما يزول به الهجر المحرم ، وهو مرة في كل ثلاثة أيام ؛ لأن هذه هي المكره عليها بخلاف الزائد عليها في الثلاث فإن الإكراه لا يتناوله لما تقرر أن القصد بالإكراه هنا إنما هو إزالة الهجر المحرم لا غير ومر في مبحث الإكراه ما له تعلق بهذا قال بعض شراح حلف لا يكلم غيره فأجبره القاضي على كلامه فكلمه ، وإنما يحرم هجر أكثر من الثلاث إن واجهه ، ولم يكلمه حتى بالسلام أما لو لم يواجهه فلا حرمة ، وإن مكث سنين ، وهو ظاهر . البخاري
ولا تنحل أيضا في نحو إن خرجت لابسة الحرير فخرجت لابسة غيره ثم خرجت لابسة له فيحنث ؛ لأن الخرجة الأولى لم يتناولها اليمين أصلا إذ التعليق فيها ليس له إلا جهة حنث ، وهي الخروج المقيد بلبس الحرير فمتى وجد حنث وخروجها غير لابسة لا يسمى جهة بر لما تقرر أن اليمين لم تتناوله بخلاف إن خرجت بغير إذني فخرجت بإذنه ثم بغير إذنه لا حنث ؛ لأن لها جهة بر ، وهي الأولى وجهة حنث ، وهي الثانية فتناولت كلا منهما وأيضا فالأولى هي مقصود الحلف فتناولها فانحل بها ، ولا كذلك في لابسة حرير فتأمله وأفتى السبكي فيمن حلف ليعطين زيدا كل يوم كذا فلم يعطه يوما بانحلالها بحنثه هذا فإذا راجعها ، ولم يعطه شيئا لم تطلق وغيره بأنه لو حنث لعدم الانحلال أي كما في مسألة الحرير ، وفي الروضة حلف لا يرد الناشزة أحد فأكترت ورجعت مع المكاري لم تطلق ؛ لأنه صحبها ، ولم يردها وانحلت فلو خرجت فردها الزوج أو غيره لم يحنث إذ ليس في اللفظ ما يقتضي تكرارا وتنحل أيضا في إن رأيت الهلال وصرح بالمعاينة ( ) قوله : وقوله : لحق إلخ لعل ذلك ثابت في نسخته ا هـ . حلف لا يسافر معه فسافر أي وحده ثم سافر معه
[ ص: 127 ] أو فسر بها وقبلناه فمضى ثلاث ليال فلم يره فيها من أول شهر يستقبله ، وفي إن دخلت إن كلمت فأنت طالق يشترط تقديم الأخير فإن عكست أو وجدا معا لم تطلق وانحلت اليمين فلو كلمته بعد ذلك ثم دخلت لم يحنث ؛ لأن اليمين تنعقد على المرة الأولى هذا ما نقلاه عن المتولي وأقراه واعترضهما الإسنوي وغيره بأن المحلوف عليه إنما هو دخول سبقه كلام ، ولم يوجد إلا بعضه ، وهو الكلام فاليمين باقية حتى لو دخلت لم يحنث ، وفي لم تطلق وانحلت حتى لو قدم زيد بعد بأن سافر ثم قدم ، وقد مضى أكثر من شهر لم تطلق ، وفي أنت طالق قبل قدوم زيد بشهر فقدم قبل أكثر من شهر من أثناء التعليق تطلق بأحدهما ، وكذا إن قدم أنت طالق على الشرط وانحلت يمينه فيهما فلا يقع بالصفة الأخرى شيء ، وفي إن تركت طلاقك فأنت طالق يقع إذا لم يطلقها فورا ، وكذا إن سكت عنه بخلاف إن لم أترك أو إن لم أطلق فلا فور فإن طلق فورا انحلت يمين الترك فلا تقع أخرى ؛ لأنه لم يترك طلاقها بخلاف يمين السكوت فتقع أخرى بسكوته وانحلت يمينه وفرق إن دخلت أو كلمت فأنت طالق ابن العماد أخذا من كلام الماوردي بأنه في الأولى علق على الترك ، ولم يوجد ، وفي الثانية على السكوت ، وقد وجد ؛ لأنه يصدق عليه أن يقال سكت عن طلاقها ، وإن لم يسكت أولا ، ولا يصح أن يقال ترك طلاقها إذا لم يتركه أو لا ا هـ وفيه نظر ؛ لأن ما علل به من الصدق أو عدمه إن أريد به الصدق لغة فظاهر أن اللغة ليست كذلك أو شرعا فكذلك أو عرفا فإن أريد عرف خاص فليبين أو عام ففيه ما فيه ، وإنما أطلت في جمع هذه المسائل المتعلقة بالانحلال ؛ لأنه مبحث مشكل ؛ لأن كلامهم فيه غامض فاحتيج إلى جمع متفرقات كلامهم فيه