( وأما بعده  فللكفار ) الحربيين ( حالان أحدهما يكونون ) أي كونهم ( ببلادهم ) مستقرين فيها غير قاصدين شيئا ( ف ) الجهاد حينئذ ( فرض كفاية ) إجماعا  ،  كما نقله القاضي عبد الوهاب  ويحصل إما بتشحين الثغور  ،  وهي محال الخوف التي تلي بلادهم بمكافئين لهم  ،  لو قصدوها مع إحكام الحصون والخنادق  ،  وتقليد ذلك للأمراء المؤتمنين المشهورين بالشجاعة والنصح للمسلمين  ،  وإما بأن يدخل الإمام أو نائبه بشرطه دارهم بالجيوش لقتالهم . 
وظاهر أنه إن أمكن بعثها في جميع نواحي بلادهم وجب  ،  وأقله مرة في كل سنة فإذا زاد فهو أفضل  ،  هذا ما صرح به كثيرون ولا ينافيه كلام غيرهم  ؛  لأنه محمول عليه وصريحه الاكتفاء  [ ص: 213 ] بالأول وحده  ،  ونوزع فيه بأنه يؤدي إلى عدم وجوب قتالهم على الدوام وهو باطل إجماعا  ،  ويرد بأن الثغور إذا شحنت كما ذكر كان في ذلك إخماد لشوكتهم وإظهار لقهرهم بعجزهم عن الظفر بشيء منا  ،  ولا يلزم عليه ما ذكر لما يأتي أنه إذا احتيج إلى قتالهم أكثر من مرة  وجب  ،  فكذا إذا اكتفينا هنا بتحصين الثغور واحتيج لقتالهم وجب  ،  وأما ادعاء إيجاب الجهاد كل سنة مرة مع تحصين الثغور فهو وإن أفهمته عبارات لكنه إنما يتجه حيث لا عذر في تركه مرة في السنة  ،  ثم رأيت عبارة شرح المهذب وعبارة الأذرعي  في باب الإحصار صريحتين في الوجوب كل سنة مرة مطلقا  ،  زاد الأول إلا أن تدعو حاجة إلى التأخير أكثر من سنة  ،  والثاني أن ذلك متفق عليه . 
ومما يؤيد ذلك قول الأصوليين الجهاد دعوة قهرية فتجب إقامته بحسب الإمكان حتى لا يبقى إلا مسلم أو مسالم  ،  ولا يختص بمرة في السنة ولا يعطل إذا أمكنت الزيادة وهو ضعيف  ،  وإن اختاره الإمام  ثم وجه الأول بأن تجهيز الجيوش لا يتأتى غالبا في السنة أكثر من مرة  ،  ومحل الخلاف إذا لم تدع الحاجة إلى أكثر من مرة وإلا وجب  ،  وشرطه كالمرة أن لا يكون بنا ضعف أو نحوه كرجاء إسلامهم  ،  وإلا أخر حينئذ ،  ويسن أن يبدأ بقتال من يلونا  إلا أن يكون الخوف من غيرهم أكثر فتجب البداءة بهم  ،  وأن يكثره ما استطاع ويثاب على الكل ثواب فرض الكفاية ،  وحكم فرض الكفاية  الذي هو مهم يقصد حصوله من غير نظر بالذات لفاعله  ،  أنه ( إذا فعله من فيهم كفاية ) وإن لم يكونوا من أهل فرضه كذوي صبا أو جنون أو أنوثة إلا في مسائل كصلاة الجماعة على ما مر فيها  ،  ( سقط الحرج ) عنه إن كان من أهله و ( عن الباقين ) رخصة وتخفيفا عليهم  ؛  ومن ثم كان القائم به أفضل من القائم بفرض العين كما نقله الشيخ أبو علي  عن المحققين وأقر في الروضة الإمام  عليه  ،  وأفهم السقوط أنه يخاطب به الكل وهو الأصح  ،  وأنه إذا تركه الكل أثم أهل فرضه كلهم  ،  وإن جهلوا أي وقد قصروا في جهلهم به أخذا من قولهم : لتقصيرهم كما لو تأخر تجهيز ميت بقرية أي : ممن تقضي العادة بتعهده  ،  فإنه يأثم وإن جهل موته لتقصيرهم بعدم البحث عنه 
     	
		
				
						
						
