فقيل: الذين كذبوا شعيبا كأن لم يغنوا فيها أي: إنهم استؤصلوا وتلاشت جسومهم، كأن لم يقيموا فيها. ثم سأل: أخصص الدمار بهم أم تعدى إلى غيرهم؟ فقيل: الذين كذبوا شعيبا كانوا هم الخاسرين أي اختص بهم الدمار فجعلت الصلة الأولى ذريعة إلى تحقيق الخبر كقوله:
إن التي ضربت بيتا مهاجرة بكوفة الجند غالت ودها غول
وكذلك بولغ في الإخبار عن دمار القوم وجيء بتقوى الحكم والتخصيص، وجعلت الصلة الثانية علة لوجود الخبر، وجاء تسفيه الرأي من الرد عليهم بعين ما تلفظوا به في نصح قومهم، والاستهزاء من الإشارة إلى أن ما جعلوه نصيحة صار فضيحة، وانعكس الحال الذي زعموه، ويستفاد عظم الخسران من تعريف الخبر بلام الجنس. وأما استعظام ما جرى فمن قوله سبحانه: ( كأن لم ) إلخ. وكذا من مجموع الكلام، ولا يخفى أن القول بالاستئناف من غير عطف جار على عادة العرب في مثل هذا المقام، فإن عادتهم الاستئناف كذلك في الذم والتوبيخ فيقولون:أخوك الذي نهب مالنا، أخوك الذي هتك سترنا، أخوك الذي ظلمنا، وجوز أن يكون الموصول الثاني بدلا من الضمير في ( يغنوا ) ، وأن يكون في محل نصب بإضمار أعني، وأن يكون الأول مبتدأ والخبر أبو البقاء الذين كذبوا شعيبا كانوا ، و ( كأن لم يغنوا ) حال من ضمير ( كذبوا ) ، وأن يكون الأول صفة للذين كفروا أو بدلا منه، وعلى الوجهين يكون ( كأن لم ) إلخ حالا، وما اخترناه هو الأولى كما هو ظاهر فليتدبر.