كذبتم وبيت الله حتى تعالجوا قوادم حرب لا تلين ولا تمري
[ ص: 19 ]وتلحق خيل لا هوادة بينها وتشقى الرماح بالضياطرة الحمر
والسيف يشقى كما تشقى الضلوع به وللسيوف كما للناس آجال
أوما رأيت الجود ألقى رحله في آل طلحة ثم لم يتحول
فما جازه جود ولا حل دونه ولكن يسير الجود حيث يسير
بل هو تجوز فيه مبالغة حسنة، وبان ذلك من الإغراق في الوصف بالصدق بأن يكون قد جعل قول الحق بمنزلة رجل يجب عليه شيء ثم جعل نفسه، أي: قابليته لقول الحق وقيامه به بمنزلة الواجب على قول الحق فيكون استعارة مكنية وتخييلية، والمعنى: أنا واجب على الحق أن يسعى في أن أكون قائله والناطق به فكيف يتصور مني الكذب، واعترضه القطب الرازي وغيره بأنه إنما يتم لو كان هو حقيقا على قول الحق وليس كذلك بل على قوله الحق، وجعل قوله الحق بحيث يجب عليه أن يسعى في أن يكون قائله لا معنى له.
وأجيب بأن مبنى ذلك على أن المصدر المؤول لا بد من إضافته إلى ما كان مرفوعا به وليس بمسلم فإنه قد يقطع النظر عن ذلك.
وقد صرح بعض النحاة بأنه قد يكون نكرة نحو وما كان هذا القرآن أن يفترى أي: افتراء، وهاهنا قد قطع النظر فيه عن الفاعل إذ المعنى: حقيق علي قول الحق وهو محصل مجموع الكلام فلا إشكال، وذكر في توجيه الآية على قراءة الجمهور، وادعى أنه الأولى أن علي أن لا أقول متعلق برسول، إن قلنا بجواز إعمال الصفة إذا وصفت، وإن لم نقل به وهو المشهور فهو متعلق بفعل يدل عليه، أي: أرسلت على أن لا أقول إلخ، والأولى عندي كون على بمعنى الباء، ويؤيده قراءة ابن مقسم (بأن لا أقول). أبي:
وقرأ عبد الله: (أن لا أقول) بتقدير الجار وهو على أو الباء، وقد تقدم يقدر على بياء مشددة، وقوله سبحانه: قد جئتكم ببينة من ربكم استئناف مقرر لما قبله، ولم يكن هذا وما بعده من جواب فرعون إثر ما ذكر هاهنا، بل بعد ما جرى بينهما من المحاورات التي قصها الله تعالى في غير ما موضع، وقد طوي ذكرها هنا للإيجاز، و (من) متعلقة إما بجئتكم على أنها لابتداء الغاية مجازا، وإما بمحذوف وقع صفة لبينة مفيدة لفخامتها الإضافية مؤكدة لفخامتها الذاتية المستفادة من التنوين التفخيمي كما مر غير مرة، وإضافة اسم الرب إلى ضمير المخاطبين بعد إضافته فيما قبل إلى العالمين لتأكيد وجوب الإيمان بها، وذكر الاسم الجليل الجامع في بيان كونه جديرا بقول الحق عليه سبحانه تهويلا لأمر الافتراء عليه تعالى شأنه مع الإشارة إلى التعليل بما ليس وراءه غاية. فأرسل معي بني إسرائيل أي: خلهم حتى يذهبوا معي إلى الأرض المقدسة التي [ ص: 20 ] هي وطن آبائهم، وكان عدو الله تعالى والقبط قد استبعدوهم بعد انقراض الأسباط يستعملونهم ويكلفونهم الأفاعيل الشاقة كالبناء وحمل الماء فأنقذهم الله تعالى بموسى عليه السلام، وكان بين اليوم الذي دخل فيه يوسف عليه السلام مصر واليوم الذي دخل فيه موسى عليه السلام على ما روي عن أربعمائة سنة، واستعمال الإرسال بما أشير إليه على ما يظهر من كلام وهب حقيقية، وقيل: إنه استعارة من إرسال الطير من القفص تمثيلية أو تبعية، ولا يخفى أنه ساقط عن وكر القبول، والفاء لترتيب الإرسال أو الأمر به على ما قبله من رسالته عليه السلام ومجيئه بالبينة. الراغب