nindex.php?page=treesubj&link=30175_30180_31037_31791_32026_34088_34092_34209_28978nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=188قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا أي: لا أملك لأجل نفسي جلب نفع ما ولا دفع ضرر ما.
[ ص: 136 ] والجار والمجرور كما قال
nindex.php?page=showalam&ids=14803أبو البقاء إما متعلق ب أملك أو بمحذوف وقع حالا من نفعا، والمراد لا أملك ذلك في وقت من الأوقات
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=188إلا ما شاء الله ، أي: إلا وقت مشيئته سبحانه بأن يمكنني من ذلك فإنني حينئذ أملكه بمشيئته، فالاستثناء متصل وفيه دليل كما قال
الشيخ إبراهيم الكوراني على أن قدرة العبد مؤثرة بإذن الله تعالى ومشيئته، وقيل:
الاستثناء منقطع أي: لكن ما شاء الله تعالى من ذلك كائن، وفيه على هذا من إظهار العجز ما لا يخفى، والكلام مسوق لإثبات
nindex.php?page=treesubj&link=30250عجزه عن العلم بالساعة على أتم وجه، وإعادة الأمر لإظهار العناية بشأن الجواب والتنبيه على استقلاله ومغايرته للأول.
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=188ولو كنت أعلم الغيب أي: الذي من جملته ما بين الأشياء من المناسبات المصححة عادة للسببية والمسببية ومن المباينات المستتبعة للمدافعة والممانعة
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=188لاستكثرت من الخير أي: لحصلت كثيرا من الخير الذي نيط بترتيب الأسباب ورفع الموانع
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=188وما مسني السوء أي السوء الذي يمكن التفصي عنه بالتوقي عن موجباته والمدافعة بموانعه وإن كان منه ما لا مدفع له، وكأن عدم مس السوء من توابع استكثار الخير في الجملة، ولذا لم يسلك في الجملة الثانية نحو مسلك الجملة الأولى، والاستلزام في الشرطية لا يلزم أن يكون عقليا وكليا بل يكفي أن يكون عاديا في البعض. وقد حكم غير واحد أنه في الآية من العادي، وبذلك دفع
nindex.php?page=showalam&ids=14589الشهاب ما قيل: إن العلم بالشيء لا يلزم منه القدرة عليه ومنشؤه الغفلة عن المراد.
وحمل الخير والسوء على ما ذكر هو الذي ذهب إليه جلة المحققين. وفسر بعض الأول بالربح في التجارة والفوز بالخصب. والثاني بضد ذلك بناء على ما روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=15097الكلبي أن أهل
مكة قالوا: يا
محمد، ألا تخبرنا بالسعر الرخيص قبل أن يغلو فنشتري فنربح، وبالأرض التي تريد أن تجدب فنرتحل منها إلى ما قد أخصب. فنزلت.
وعن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله تعالى عنهما تفسير الأول بالربح في التجارة والثاني بالفقر، وقيل: الأول الجواب عن السؤال والثاني التكذيب، وقيل: الأول الاشتغال بدعوة من سبقت له السعادة، والثاني النصب الحاصل من دعوة من حقت عليه كلمة العذاب.
وقيل: ونسب إلى
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد nindex.php?page=showalam&ids=13036وابن جريج: المراد من الغيب الموت، ومن الخير الإكثار من الأعمال الصالحة، ومن السوء ما لم يكن كذلك، وقيل غير ذلك، والكل كما ترى ومنها ما لا ينبغي أن يخرج عليه التنزيل، وقدم ذكر الخير على ذكر السوء لمناسبة ما قبل حيث قدم فيه ذكر النفع على ذكر الضر وسلك في ذكرهما هناك كذلك مسلك الترقي على ما قيل: فإن دفع المضار أهم من جلب المنافع، وذكر
nindex.php?page=showalam&ids=12099النيسابوري أن أكثر ما جاء في القرآن إذ يؤتى بالضر والنفع معا تقديم لفظ الضر على النفع وهو الأصل لأن العابد إنما يعبد معبوده خوفا من عقابه أولا ثم يعبده طمعا في ثوابه ثانيا كما يشير إلى ذلك قوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=16يدعون ربهم خوفا وطمعا وحيث تقدم النفع على الضر كان ذلك لسبق لفظ تضمن معنى نفع كما في هذه السورة حيث تقدم آنفا لفظ الهداية على الضلال في قوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=178من يهد الله فهو المهتدي ومن يضلل إلخ. وفي الرعد تقدم ذكر الطوع في قوله سبحانه:
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=15طوعا وكرها وهو نفع، وفي الفرقان تقدم العذب في قوله جل وعلا:
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=53هذا عذب فرات وهو نفع، وفي سبأ تقدم البسط في قوله تبارك اسمه:
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=26الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر وليقس على هذا غيره،
nindex.php?page=showalam&ids=13036وابن جريج: يفسر النفع هنا بالهدى والضر بالضلال، وبه تقوى نكتة التقديم التي اعتبرها هذا الفاضل فيما نحن فيه كما لا يخفى.
واستشكلت هذه الآية مع ما صح أنه صلى الله تعالى عليه وسلم أخبر بالمغيبات الجمة وكان الأمر كما أخبر، وعد
[ ص: 137 ] ذلك من أعظم معجزاته عليه الصلاة والسلام، واختلف في الجواب فقيل: المفهوم من الآية نفي علمه عليه الصلاة والسلام إذ ذاك بالغيب المفيد لجلب المنافع ودفع المضار التي لا علاقة بينها وبين الأحكام والشرائع وما يعلمه صلى الله تعالى عليه وسلم من الغيوب ليس من ذلك النوع، وعدم العلم مما لا يطعن في منصبه الجليل عليه الصلاة والسلام.
وقد أخرج مسلم عن
nindex.php?page=showalam&ids=9أنس nindex.php?page=showalam&ids=25وعائشة رضي الله تعالى عنهما
nindex.php?page=hadith&LINKID=661366أنه صلى الله تعالى عليه وسلم مر بقوم يلقحون فقال عليه الصلاة والسلام: «لو لم تفعلوا لصلح. فلم يفعلوا فخرج شيصا، فمر بهم صلى الله تعالى عليه وسلم فقال: ما لقحتم؟ قالوا: قلت كذا وكذا. قال: أنتم أعلم بأمر دنياكم».
وفي رواية أخرى له
nindex.php?page=hadith&LINKID=704618أنه عليه الصلاة والسلام قال حين ذكر له أنه صار شيصا: «إن كان شيء من أمر دنياكم فشأنكم، وإن كان من أمر دينكم فإلي».
وقد عد عدم علمه صلى الله تعالى عليه وسلم بأمر الدنيا كمالا في منصبه؛ إذ الدنيا بأسرها لا شيء عند ربه.
وقيل: المراد نفي استمرار علمه عليه الصلاة والسلام الغيب، ومجيء (كان) للاستمرار شائع، ويلاحظ الاستمرار أيضا في الاستكثار وعدم المس. وقيل: المراد بالغيب وقت قيام الساعة لأن السؤال عنه وهو عليه الصلاة والسلام لم يعلمه ولم يخبر به أصلا، وحينئذ يفسر الخير والسوء بما يلائم ذلك كتعليم السائلين وعدم الطعن في أمر الرسالة من الكافرين، وقيل: أل في الغيب للاستغراق وهو صلى الله تعالى عليه وسلم لم يعلم كل غيب فإن من الغيب ما تفرد الله تعالى به كمعرفة كنه ذاته تبارك وتعالى وكمعرفة وقت قيام الساعة على ما تدل عليه الآية.
وفي لباب التأويل
للخازن في الجواب عن ذلك أنه يحتمل أن يكون هذا القول منه عليه الصلاة والسلام على سبيل التواضع والأدب، والمعنى: لا أعلم الغيب إلا أن يطلعني الله تعالى عليه ويقدره لي، ويحتمل أن يكون قال ذلك قبل أن يطلعه الله تعالى على الغيب، فلما أطلعه أخبر به، أو يكون خرج هذا الكلام فخرج الجواب عن سؤالهم ثم بعد ذلك أظهره الله تعالى على أشياء من المغيبات ليكون ذلك معجزة له ودلالة على صحة نبوته صلى الله تعالى عليه وسلم. انتهى، وفيه تأمل. وكلام بعض المحققين يشير إلى ترجيح الأول.
ومعنى قوله سبحانه:
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=188إن أنا إلا نذير وبشير على ذلك ما أنا إلا عبد مرسل للإنذار والبشارة وشأني حيازة ما يتعلق بهما من العلوم لا الوقوف على الغيوب التي لا علاقة بينها وبينهما، وقد كشفت من أمر الساعة ما يتعلق به الإنذار من مجيئها لا محالة واقترابها، وأما تعيين وقتها فليس مما يستدعيه الإنذار بل هو مما يقدح فيه لما مر من أن إبهامه أدعى إلى الطاعة وأزجر عن المعصية، وتقديم النذير لأن المقام مقام إنذار
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=188لقوم يؤمنون أي: يصدقون بما جئت به، والجار إما متعلق بالوصفين جميعا والمؤمنون ينتفعون بالإنذار كما ينتفعون بالتبشير، وإما متعلق بالأخير ومتعلق الأول محذوف أي: نذير للكافرين، وحذف ليطهر اللسان منهم.
وأراد بعضهم من الكافرين المستمرين على الكفر ومن مقابلهم الذين يؤمنون في أي وقت كان وحينئذ في الآية ترغيب للكفرة في إحداث الإيمان وتحذير عن الإصرار على الكفر والطغيان.
nindex.php?page=treesubj&link=30175_30180_31037_31791_32026_34088_34092_34209_28978nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=188قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلا ضَرًّا أَيْ: لَا أَمْلِكُ لِأَجْلِ نَفْسِي جَلْبَ نَفْعٍ مَا وَلَا دَفْعَ ضَرَرٍ مَا.
[ ص: 136 ] وَالْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ كَمَا قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14803أَبُو الْبَقَاءِ إِمَّا مُتَعَلِّقٌ بِ أَمْلِكُ أَوْ بِمَحْذُوفٍ وَقَعَ حَالًا مِنْ نَفْعًا، وَالْمُرَادُ لَا أَمْلِكُ ذَلِكَ فِي وَقْتٍ مِنَ الْأَوْقَاتِ
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=188إِلا مَا شَاءَ اللَّهُ ، أَيْ: إِلَّا وَقْتَ مَشِيئَتِهِ سُبْحَانَهُ بِأَنْ يُمَكِّنَنِي مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّنِي حِينَئِذٍ أَمْلِكُهُ بِمَشِيئَتِهِ، فَالِاسْتِثْنَاءُ مُتَّصِلٌ وَفِيهِ دَلِيلٌ كَمَا قَالَ
الشَّيْخُ إِبْرَاهِيمُ الْكُورَانِيُّ عَلَى أَنَّ قُدْرَةَ الْعَبْدِ مُؤَثِّرَةٌ بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَشِيئَتِهِ، وَقِيلَ:
الِاسْتِثْنَاءُ مُنْقَطِعٌ أَيْ: لَكِنْ مَا شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ ذَلِكَ كَائِنٌ، وَفِيهِ عَلَى هَذَا مِنْ إِظْهَارِ الْعَجْزِ مَا لَا يَخْفَى، وَالْكَلَامُ مَسُوقٌ لِإِثْبَاتِ
nindex.php?page=treesubj&link=30250عَجْزِهِ عَنِ الْعِلْمِ بِالسَّاعَةِ عَلَى أَتَمِّ وَجْهٍ، وَإِعَادَةُ الْأَمْرِ لِإِظْهَارِ الْعِنَايَةِ بِشَأْنِ الْجَوَابِ وَالتَّنْبِيهِ عَلَى اسْتِقْلَالِهِ وَمُغَايَرَتِهِ لِلْأَوَّلِ.
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=188وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ أَيِ: الَّذِي مِنْ جُمْلَتِهِ مَا بَيْنَ الْأَشْيَاءِ مِنَ الْمُنَاسَبَاتِ الْمُصَحَّحَةِ عَادَةً لِلسَّبَبِيَّةِ وَالْمُسَبَّبِيَّةِ وَمِنَ الْمُبَايَنَاتِ الْمُسْتَتْبِعَةِ لِلْمُدَافَعَةِ وَالْمُمَانَعَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=188لاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ أَيْ: لَحَصَّلْتُ كَثِيرًا مِنَ الْخَيْرِ الَّذِي نِيطَ بِتَرْتِيبِ الْأَسْبَابِ وَرَفْعِ الْمَوَانِعِ
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=188وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ أَيِ السُّوءُ الَّذِي يُمْكِنُ التَّفَصِّي عَنْهُ بِالتَّوَقِّي عَنْ مُوجِبَاتِهِ وَالْمُدَافَعَةِ بِمَوَانِعِهِ وَإِنْ كَانَ مِنْهُ مَا لَا مَدْفَعَ لَهُ، وَكَأَنَّ عَدَمَ مَسِّ السُّوءِ مِنْ تَوَابِعِ اسْتِكْثَارِ الْخَيْرِ فِي الْجُمْلَةِ، وَلِذَا لَمْ يَسْلُكْ فِي الْجُمْلَةِ الثَّانِيَةِ نَحْوَ مَسْلَكِ الْجُمْلَةِ الْأُولَى، وَالِاسْتِلْزَامُ فِي الشَّرْطِيَّةِ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ عَقْلِيًّا وَكُلِّيًّا بَلْ يَكْفِي أَنْ يَكُونَ عَادِيًّا فِي الْبَعْضِ. وَقَدْ حَكَمَ غَيْرُ وَاحِدٍ أَنَّهُ فِي الْآيَةِ مِنَ الْعَادِيِّ، وَبِذَلِكَ دَفَعَ
nindex.php?page=showalam&ids=14589الشِّهَابُ مَا قِيلَ: إِنَّ الْعِلْمَ بِالشَّيْءِ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ الْقُدْرَةُ عَلَيْهِ وَمَنْشَؤُهُ الْغَفْلَةُ عَنِ الْمُرَادِ.
وَحَمْلُ الْخَيْرِ وَالسُّوءِ عَلَى مَا ذُكِرَ هُوَ الَّذِي ذَهَبَ إِلَيْهِ جُلَّةُ الْمُحَقِّقِينَ. وَفُسِّرَ بَعْضُ الْأَوَّلِ بِالرِّبْحِ فِي التِّجَارَةِ وَالْفَوْزِ بِالْخِصْبِ. وَالثَّانِي بِضِدِّ ذَلِكَ بِنَاءً عَلَى مَا رُوِيَ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=15097الْكَلْبِيِّ أَنَّ أَهْلَ
مَكَّةَ قَالُوا: يَا
مُحَمَّدُ، أَلَا تُخْبِرُنَا بِالسِّعْرِ الرَّخِيصِ قَبْلَ أَنْ يَغْلُوَ فَنَشْتَرِيَ فَنَرْبَحَ، وَبِالْأَرْضِ الَّتِي تُرِيدُ أَنْ تُجْدِبَ فَنَرْتَحِلَ مِنْهَا إِلَى مَا قَدْ أَخْصَبَ. فَنَزَلَتْ.
وَعَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا تَفْسِيرُ الْأَوَّلِ بِالرِّبْحِ فِي التِّجَارَةِ وَالثَّانِي بِالْفَقْرِ، وَقِيلَ: الْأَوَّلُ الْجَوَابُ عَنْ السُّؤَالِ وَالثَّانِي التَّكْذِيبُ، وَقِيلَ: الْأَوَّلُ الِاشْتِغَالُ بِدَعْوَةِ مَنْ سَبَقَتْ لَهُ السَّعَادَةُ، وَالثَّانِي النَّصَبُ الْحَاصِلُ مِنْ دَعْوَةِ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ.
وَقِيلَ: وَنُسِبَ إِلَى
nindex.php?page=showalam&ids=16879مُجَاهِدٍ nindex.php?page=showalam&ids=13036وَابْنِ جُرَيْجٍ: الْمُرَادُ مِنَ الْغَيْبِ الْمَوْتُ، وَمِنَ الْخَيْرِ الْإِكْثَارُ مِنَ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ، وَمِنَ السُّوءِ مَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ، وَالْكُلُّ كَمَا تَرَى وَمِنْهَا مَا لَا يَنْبَغِي أَنْ يُخَرَّجَ عَلَيْهِ التَّنْزِيلُ، وَقَدَّمَ ذِكْرَ الْخَيْرِ عَلَى ذِكْرِ السُّوءِ لِمُنَاسَبَةِ مَا قَبْلُ حَيْثُ قَدَّمَ فِيهِ ذِكْرَ النَّفْعِ عَلَى ذِكْرِ الضُّرِّ وَسَلَكَ فِي ذِكْرِهِمَا هُنَاكَ كَذَلِكَ مَسْلَكَ التَّرَقِّي عَلَى مَا قِيلَ: فَإِنَّ دَفْعَ الْمَضَارِّ أَهَمُّ مِنْ جَلْبِ الْمَنَافِعِ، وَذَكَرَ
nindex.php?page=showalam&ids=12099النَّيْسَابُورِيُّ أَنَّ أَكْثَرَ مَا جَاءَ فِي الْقُرْآنِ إِذْ يُؤْتَى بِالضُّرِّ وَالنَّفْعِ مَعًا تَقْدِيمُ لَفْظِ الضُّرِّ عَلَى النَّفْعِ وَهُوَ الْأَصْلُ لِأَنَّ الْعَابِدَ إِنَّمَا يَعْبُدُ مَعْبُودَهُ خَوْفًا مِنْ عِقَابِهِ أَوَّلًا ثُمَّ يَعْبُدُهُ طَمَعًا فِي ثَوَابِهِ ثَانِيًا كَمَا يُشِيرُ إِلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=16يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَحَيْثُ تَقَدَّمَ النَّفْعُ عَلَى الضُّرِّ كَانَ ذَلِكَ لِسَبْقِ لَفْظٍ تَضَمَّنَ مَعْنَى نَفْعٍ كَمَا فِي هَذِهِ السُّورَةِ حَيْثُ تَقَدَّمَ آنِفًا لَفْظُ الْهِدَايَةِ عَلَى الضَّلَالِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=178مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ إِلَخْ. وَفِي الرَّعْدِ تَقَدَّمَ ذِكْرُ الطَّوْعِ فِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=15طَوْعًا وَكَرْهًا وَهُوَ نَفْعٌ، وَفِي الْفُرْقَانِ تَقَدَّمَ الْعَذْبُ فِي قَوْلِهِ جَلَّ وَعَلَا:
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=53هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهُوَ نَفْعٌ، وَفِي سَبَأٍ تَقَدَّمَ الْبَسْطُ فِي قَوْلِهِ تَبَارَكَ اسْمُهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=26اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَلْيُقَسْ عَلَى هَذَا غَيْرُهُ،
nindex.php?page=showalam&ids=13036وَابْنُ جُرَيْجٍ: يُفَسِّرُ النَّفْعَ هُنَا بِالْهُدَى وَالضُّرَّ بِالضَّلَالِ، وَبِهِ تَقْوَى نُكْتَةُ التَّقْدِيمِ الَّتِي اعْتَبَرَهَا هَذَا الْفَاضِلُ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ كَمَا لَا يَخْفَى.
وَاسْتُشْكِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ مَعَ مَا صَحَّ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَ بِالْمُغَيَّبَاتِ الْجَمَّةِ وَكَانَ الْأَمْرُ كَمَا أَخْبَرَ، وَعُدَّ
[ ص: 137 ] ذَلِكَ مِنْ أَعْظَمِ مُعْجِزَاتِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَاخْتُلِفَ فِي الْجَوَابِ فَقِيلَ: الْمَفْهُومُ مِنَ الْآيَةِ نَفْيُ عِلْمِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ إِذْ ذَاكَ بِالْغَيْبِ الْمُفِيدِ لِجَلْبِ الْمَنَافِعِ وَدَفْعِ الْمَضَارِّ الَّتِي لَا عَلَاقَةَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْأَحْكَامِ وَالشَّرَائِعِ وَمَا يَعْلَمُهُ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْغُيُوبِ لَيْسَ مِنْ ذَلِكَ النَّوْعِ، وَعَدَمُ الْعِلْمِ مِمَّا لَا يَطْعَنُ فِي مَنْصِبِهِ الْجَلِيلِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ.
وَقَدْ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=9أَنَسٍ nindex.php?page=showalam&ids=25وَعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا
nindex.php?page=hadith&LINKID=661366أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِقَوْمٍ يُلَقِّحُونَ فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «لَوْ لَمْ تَفْعَلُوا لَصَلُحَ. فَلَمْ يَفْعَلُوا فَخَرَجَ شِيصًا، فَمَرَّ بِهِمْ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: مَا لَقَّحْتُمْ؟ قَالُوا: قُلْتَ كَذَا وَكَذَا. قَالَ: أَنْتُمْ أَعْلَمُ بِأَمْرِ دُنْيَاكُمْ».
وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى لَهُ
nindex.php?page=hadith&LINKID=704618أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ حِينَ ذُكِرَ لَهُ أَنَّهُ صَارَ شِيصًا: «إِنْ كَانَ شَيْءٌ مِنْ أَمْرِ دُنْيَاكُمْ فَشَأْنُكُمْ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَمْرِ دِينِكُمْ فَإِلَيَّ».
وَقَدْ عُدَّ عَدَمُ عِلْمِهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَمْرِ الدُّنْيَا كَمَالًا فِي مَنْصِبِهِ؛ إِذِ الدُّنْيَا بِأَسْرِهَا لَا شَيْءَ عِنْدَ رَبِّهِ.
وَقِيلَ: الْمُرَادُ نَفْيُ اسْتِمْرَارِ عِلْمِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ الْغَيْبَ، وَمَجِيءُ (كَانَ) لِلِاسْتِمْرَارِ شَائِعٌ، وَيُلَاحَظُ الِاسْتِمْرَارُ أَيْضًا فِي الِاسْتِكْثَارِ وَعَدَمِ الْمَسِّ. وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالْغَيْبِ وَقْتَ قِيَامِ السَّاعَةِ لِأَنَّ السُّؤَالَ عَنْهُ وَهُوَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَمْ يَعْلَمْهُ وَلَمْ يُخْبَرْ بِهِ أَصْلًا، وَحِينَئِذٍ يُفَسَّرُ الْخَيْرُ وَالسُّوءُ بِمَا يُلَائِمُ ذَلِكَ كَتَعْلِيمِ السَّائِلِينَ وَعَدَمِ الطَّعْنِ فِي أَمْرِ الرِّسَالَةِ مِنَ الْكَافِرِينَ، وَقِيلَ: أَلْ فِي الْغَيْبِ لِلِاسْتِغْرَاقِ وَهُوَ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَعْلَمْ كُلَّ غَيْبٍ فَإِنَّ مِنَ الْغَيْبِ مَا تَفَرَّدَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ كَمَعْرِفَةِ كُنْهِ ذَاتِهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَكَمَعَرْفَةِ وَقْتِ قِيَامِ السَّاعَةِ عَلَى مَا تَدُلُّ عَلَيْهِ الْآيَةُ.
وَفِي لِبَابِ التَّأْوِيلِ
لِلْخَازِنِ فِي الْجَوَابِ عَنْ ذَلِكَ أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْقَوْلُ مِنْهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَبِيلِ التَّوَاضُعِ وَالْأَدَبِ، وَالْمَعْنَى: لَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ إِلَّا أَنْ يُطْلِعَنِي اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَيُقَدِّرَهُ لِي، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَالَ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُطْلِعَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى الْغَيْبِ، فَلَمَّا أَطْلَعَهُ أَخْبَرَ بِهِ، أَوْ يَكُونُ خَرَجَ هَذَا الْكَلَامُ فَخَرَجَ الْجَوَابُ عَنْ سُؤَالِهِمْ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ أَظْهَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى أَشْيَاءَ مِنَ الْمُغَيَّبَاتِ لِيَكُونَ ذَلِكَ مُعْجِزَةً لَهُ وَدَلَالَةً عَلَى صِحَّةِ نُبُوَّتِهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. انْتَهَى، وَفِيهِ تَأَمُّلٌ. وَكَلَامُ بَعْضِ الْمُحَقِّقِينَ يُشِيرُ إِلَى تَرْجِيحِ الْأَوَّلِ.
وَمَعْنَى قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=188إِنْ أَنَا إِلا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ عَلَى ذَلِكَ مَا أَنَا إِلَّا عَبْدٌ مُرْسَلٌ لِلْإِنْذَارِ وَالْبِشَارَةِ وَشَأْنِي حِيَازَةُ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِمَا مِنَ الْعُلُومِ لَا الْوُقُوفُ عَلَى الْغُيُوبِ الَّتِي لَا عَلَاقَةَ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُمَا، وَقَدْ كَشَفْتُ مِنْ أَمْرِ السَّاعَةِ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْإِنْذَارُ مِنْ مَجِيئِهَا لَا مَحَالَةَ وَاقْتِرَابِهَا، وَأَمَّا تَعْيِينُ وَقْتِهَا فَلَيْسَ مِمَّا يَسْتَدْعِيهِ الْإِنْذَارُ بَلْ هُوَ مِمَّا يَقْدَحُ فِيهِ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ إِبْهَامَهُ أَدْعَى إِلَى الطَّاعَةِ وَأَزْجَرُ عَنِ الْمَعْصِيَةِ، وَتَقْدِيمُ النَّذِيرِ لِأَنَّ الْمَقَامَ مَقَامُ إِنْذَارٍ
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=188لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ أَيْ: يُصَدِّقُونَ بِمَا جِئْتُ بِهِ، وَالْجَارُّ إِمَّا مُتَعَلِّقٌ بِالْوَصْفَيْنِ جَمِيعًا وَالْمُؤْمِنُونَ يَنْتَفِعُونَ بِالْإِنْذَارِ كَمَا يَنْتَفِعُونَ بِالتَّبْشِيرِ، وَإِمَّا مُتَعَلِّقٌ بِالْأَخِيرِ وَمُتَعَلِّقُ الْأَوَّلِ مَحْذُوفٌ أَيْ: نَذِيرٌ لِلْكَافِرِينَ، وَحُذِفَ لِيُطَهَّرَ اللِّسَانُ مِنْهُمْ.
وَأَرَادَ بَعْضَهُمْ مِنَ الْكَافِرِينَ الْمُسْتَمِرِّينَ عَلَى الْكُفْرِ وَمِنْ مُقَابِلِهِمُ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ فِي أَيِّ وَقْتٍ كَانَ وَحِينَئِذٍ فِي الْآيَةِ تَرْغِيبٌ لِلْكَفَرَةِ فِي إِحْدَاثِ الْإِيمَانِ وَتَحْذِيرٌ عَنِ الْإِصْرَارِ عَلَى الْكُفْرِ وَالطُّغْيَانِ.