وإذا تتلى عليهم آياتنا التي لو أنزلناها على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله قالوا قد سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا قائله النضر بن الحارث من بني عبد الدار على ما عليه جمهور المفسرين، وكان يختلف إلى أرض فارس والحيرة فيسمع أخبارهم عن رستم، وإسفنديار وكبار العجم، وكان يمر باليهود والنصارى فيسمع منهم التوراة والإنجيل، وإسناد القول إلى ضمير الجمع من إسناد فعل البعض إلى الكل؛ لما أن اللعين كان رئيسهم وقاضيهم الذي يقولون بقوله ويعملون برأيه.
وقيل: قاله الذين ائتمروا في أمره عليه الصلاة والسلام في دار الندوة، وأيا ما كان فهو غاية المكابرة ونهاية العناد، إذ لو استطاعوا شيئا من ذلك فما منعهم من المشيئة؟ وقد تحداهم عليه الصلاة والسلام وقرعهم بالعجز عشر سنين ثم قارعهم بالسيف فلم يعارضوا بما سواه مع أنفتهم واستنكافهم أن يغلبوا لا سيما في ميدان البيان فإنهم كانوا فرسانه المالكين لأزمته الحائزين قصب السبق به.
واشتهر أنهم علقوا القصائد السبعة المشهورة على باب الكعبة متحدين بها، لكن تعقب أن ذلك مما لا أصل له وإن اشتهر، وزعم بعضهم أن هذا القول كان منهم قبل أن ينقطع طمعهم عن القدرة على الإتيان بمثله، وليس بشيء إن هذا إلا أساطير الأولين جمع أسطورة على ما قاله كأحدوثة وأحاديث ومعناه ما سطر وكتب. وفي القاموس: الأساطير الأحاديث لا نظام لها، جمع أسطار وإسطير وأسطور وبالهاء في الكل. وأصل السطر الصف من الشيء كالكتاب والشجر وغيره وجمعه أسطر وسطور وأسطار، وجمع الجمع أساطير ويحرك في الكل، وقال بعضهم: إن جمع سطر بالسكون أسطر وسطور وجمع سطر أسطار وأساطير، وهو مخالف لما في القاموس، والكلام على التشبيه، وأرادوا: ما هذا إلا كقصص الأولين وحكاياتهم التي سطروها وليس كلام الله تعالى، وكأنه بيان لوجه قدرتهم على قول مثله لو شاؤوا. المبرد