يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال بعد أن بين سبحانه الكفاية أمر جل شأنه نبيه صلى الله تعالى عليه وسلم بترتيب بعض مباديها ، وتكرير الخطاب على الوجه المذكور لإظهار كمال الاعتناء بشأن المأمور به ، والتحريض الحث على الشيء .
وقال : هو في اللغة أن يحث الإنسان على شيء حتى يعلم منه أنه حارض أي مقارب للهلاك ، وعلى هذا فهو للمبالغة في الحث ، وزعم في " الدر المصون " أن ذلك مستبعد من الزجاج ، والحق معه ، ويؤيده ما قاله الزجاج من أن الحرض يقال لما أشرف على الهلاك والتحريض الحث على الشيء بكثرة التزيين وتسهيل الخطب فيه كأنه في الأصل إزالة الحرض نحو قذيته أزلت عنه القذى، ويقال : أحرضته إذا أفسدته نحو أقذيته إذا جعلت فيه القذى ، فالمعنى هنا يا أيها النبي بالغ في حث المؤمنين على قتال الكفار . الراغب
وجوز أن يكون من تحريض الشخص وهو أن يسميه حرضا ويقال له : ما أراك إلا حرضا في هذا الأمر ومحرضا فيه ، ونحوه فسقته أي سميته فاسقا ، فالمعنى سمهم حرضا وهو من باب التهييج والإلهاب ، والمعنى الأول هو الظاهر ، وقرئ ( حرص ) بالصاد المهملة من الحرص وهو واضح .
إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين وإن يكن منكم مائة يغلبوا ألفا شرط في معنى الأمر بمصابرة الواحد العشرة والوعد بأنهم إن صبروا غلبوا بعون الله تعالى وتأييده ، فالجملة خبرية لفظا إنشائيا معنى ، والمراد ليصبرن الواحد لعشرة وليست بخبر محض ، وجعلها عدة من الله تعالى وبشارة وهو ظاهر في كونها خبرية ، والآية كما ستعلم قريبا إن شاء الله تعالى منسوخة ، والنسخ في الخبر فيه كلام في الأصول ، على أنه قد ذكر الإمام أنه لو كان الكلام خبرا لزم أن لا يغلب قط مائتان من الكفار عشرين من المؤمنين ومعلوم أنه ليس كذلك ، والاعتراض عليه بأن التعليق الشرطي يكفي فيه ترتب الجزاء على الشرط في بعض الأزمان لا في كلها ليس بشيء كما بينه الشهاب ، وذكر الشرطية الثانية مع انفهام مضمونها مما قبلها للدلالة على أن الحال مع القلة والكثرة واحدة لا تتفاوت لأن الحال قد تتفاوت بين مقاومة العشرين المائتين والمائة الألف وكذا يقال فيما يأتي . الزمخشري
و ( يكن ) يحتمل أن يكون تاما والمرفوع فاعله و ( منكم ) حال منه أو متعلق بالفعل ويحتمل أن يكون ناقصا والمرفوع اسمه و ( منكم ) خبره ، وقوله تعالى : من الذين كفروا بيان للألف ، وقوله سبحانه : بأنهم قوم لا يفقهون متعلق بيغلبوا أي بسبب أنهم قوم جهلة بالله تعالى وباليوم الآخر لا يقاتلون احتسابا وامتثالا لأمر الله تعالى وإعلاء لكلمته وابتغاء لرضوانه كما يفعل المؤمنون، وإنما يقاتلون للحمية الجاهلية واتباع خطوات الشيطان وإثارة ثائرة البغي والعدوان فلا يستحقون إلا القهر والخذلان ، وقال بعضهم : وجه التعليل بما ذكر أن من لا يؤمن بالله تعالى واليوم الآخر لا يؤمن بالمعاد والسعادة عنده ليست إلا هذه الحياة الدنيا فيشح بها ولا يعرضها للزوال بمزاولة الحروب واقتحام موارد الخطوب فيميل إلى ما فيه السلامة فيفر فيغلب ، وأما من اعتقد أن لا سعادة في هذه الحياة الفانية وإنما السعادة هي الحياة الباقية فلا يبالي بهذه الحياة الدنيا [ ص: 32 ] ولا يلتفت إليها، فيقدم على الجهاد بقلب قوي وعزم صحيح فيقول الواحد من مثله مقام الكثير انتهى .
وتعقب بأنه كلام حق لكنه لا يلائم المقام.