يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء نهي لكل فرد من أفراد المخاطبين عن موالاة فرد من المشركين لا عن موالاة طائفة منهم، فإن ذلك مفهوم من النظم الكريم دلالة لا عبارة ، والآية على ما روى عن الثعلبي نزلت في المهاجرين فإنهم لما أمروا بالهجرة قالوا : إن هاجرنا قطعنا آباءنا وأبناءنا وعشيرتنا وذهبت تجاراتنا وهلكت أموالنا وخربت ديارنا وبقينا ضائعين، فنزلت: فهاجروا فجعل الرجل يأتيه ابنه أو أبوه أو أخوه أو بعض أقاربه فلا يلتفت إليه ولا ينزله ولا ينفق عليه ثم رخص لهم في ذلك ، وروي عن ابن عباس أنها نزلت في التسعة الذين ارتدوا ولحقوا مقاتل مكة نهيا عن موالاتهم ، وروي عن ، أبي جعفر وأبي عبد الله رضي الله تعالى عنهما أنها نزلت في حاطب بن أبي بلتعة حين كتب إلى قريش يخبرهم بخبر رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم لما عزم على فتح مكة ، وهذا ونحوه يقتضي أن هذه الآية نزلت قبل الفتح ، واستشكل ذلك الإمام بأن الصحيح أن هذه السورة إنما نزلت بعد فتح الرازي مكة فكيف يمكن أن يكون سبب النزول ما ذكر ، وأجيب بأن نزولها قبل الفتح لا ينافي كون نزول السورة بعده لأن المراد معظمها وصدرها ، وعلى القول بأنها نزلت في حاطب فالمعتبر عموم اللفظ لا خصوص السبب ويدخل حاطب في النهي عن الاتخاذ بلا شبهة ( إن ) أي اختاروا الكفر على الإيمان وأصروا عليه إصرارا لا يرجى معه إقلاع أصلا ، ولتضمن استحب معنى ما ذكر تعدى بعلى ، وتعليق النهي عن الاتخاذ بذلك لما أنه قبل ذلك ربما يؤدي بهم إلى الإسلام بسبب شعورهم بمحاسن الدين ومن يتولهم أي واحدا منهم ، والضمير في الفعل لمراعاة لفظ الموصول وللإيذان باستقلال كل واحد منهم بالاتصاف بالظلم الآتي لأن المراد تولى فرد واحد منهم و ( من ) في قوله سبحانه : ( منكم ) للجنس لا للتبعيض ( فأولئك ) أي المتولون هم الظالمون بوضعهم الموالاة في غير موضعها فالظلم بمعناه اللغوي ، وقد يراد به التجاوز والتعدي عما حد الله تعالى إن كان المراد ومن يتولهم بعد النهي ، والحصر ادعائي كأن ظلم غيرهم كلا ظلم عند ظلمهم [ ص: 71 ] وفي ذلك من الزجر عن الموالاة ما فيه .