الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      يعتذرون إليكم بيان لما يتصدون له عند الرجوع إليهم والخطاب قيل للنبي صلى الله تعالى عليه وسلم والجمع للتعظيم والأولى أن يكون له عليه الصلاة والسلام ولأصحابه لأنهم كانوا يعتذرون للجميع أي يعتذرون إليكم في التخلف إذا رجعتم من الغزو منتهين إليهم وإنما لم يقل سبحانه إلى المدينة إيذانا بأن مدار الاعتذار هو الرجوع إليهم لا الرجوع إلى المدينة فلعل منهم من بادر إلى الاعتذار قبل الرجوع إليها قل خطاب له صلى الله تعالى عليه وسلم وخص بذلك لما أن الجواب وظيفته عليه الصلاة والسلام لا تعتذروا أي لا تفعلوا الاعتذار أو لا تعتذروا بما عندكم من المعاذير لن نؤمن لكم استئناف لبيان موجب النهي وقوله: قد نبأنا الله من أخباركم

                                                                                                                                                                                                                                      استئناف لبيان موجب النفي كأنه قيل: لم نهيتمونا عن الاعتذار؟ فقيل: لأنا لم نصدقكم في عذركم فيكون عبثا فقيل: لم لن تصدقونا؟ فقيل: لأن الله تعالى قد أنبأنا بالوحي بما في ضمائركم من الشر والفساد . ونبأ عند جمع متعدية إلى مفعولين الأول الضمير والثاني من أخباركم إما لأنه صفة المفعول الثاني، والتقدير جملة من أخباركم أو لأنه بمعنى بعض أخباركم، وليست (من) زائدة على مذهب الأخفش من زيادتها في الإيجاب

                                                                                                                                                                                                                                      وقال بعضهم: إنها متعدية لثلاثة (ومن أخباركم) ساد مسد مفعولين لأنه بمعنى إنكم كذا وكذا أو المفعول الثالث محذوف أي واقعا مثلا، وتعقب بأن السد المذكور بعيد، وحذف المفعول الثالث إذا ذكر المفعول الثاني في هذا الباب خطأ أو ضعيف، ومعنى (نبأنا) على الأول عرفنا كما قيل وعلى الثاني أعلمنا، وقيل: معناه خبرنا و (من) بمعنى عن وليس بشيء وجمع ضمير المتكلم في الموضعين للمبالغة في حسم أطماع المنافقين المعتذرين رأسا ببيان عدم رواج اعتذارهم عند أحد من المؤمنين أصلا فإن تصديق البعض لهم ربما يطمعهم في تصديق الرسول عليه الصلاة والسلام أيضا وللإيذان بافتضاحهم بين المؤمنين كافة وتعدية نؤمن باللام مر بيانها وسيرى الله عملكم أي سيعلمه سبحانه علما يتعلق به الجزاء فالرؤية علمية والمفعول الثاني محذوف أي أتنيبون عما أنتم فيه من النفاق أم تثبتون عليه وكأنه لمكان السين المفيدة للتنفيس استتابة [ ص: 3 ] وإمهال للتوبة وتقديم مفعول الرؤية على الفاعل من قوله سبحانه: ورسوله

                                                                                                                                                                                                                                      للإيذان باختلاف حال الرؤيتين وتفاوتهما وللإشعار بأن مدار الوعيد هو علمه عز وجل بأعمالهم ثم تردون يوم القيامة إلى عالم الغيب والشهادة للجزاء بما ظهر منكم من الأعمال ووضع الوصف موضع الضمير لتشديد الوعيد فإن علمه سبحانه بجميع أعمالهم الظاهرة والباطنة وإحاطته بأحوالهم البارزة والكامنة مما يوجب الزجر العظيم، وتقديم الغيب على الشهادة قيل: لتحقيق أن نسبة علمه تعالى المحيط إلى سائر الأشياء السر والعلن واحدة على أبلغ وجه وآكده، كيف لا وعلمه تعالى بمعلوماته منزه عن أن يكون بطريق حصول الصورة بل وجود كل شيء وتحققه في نفسه علم بالنسبة إليه تعالى، وفي هذا المعنى لا يختلف الحال بين الأمور البارزة والكامنة انتهى

                                                                                                                                                                                                                                      ولا يخفى عليك أن هذا قول بكون علمه سبحانه بالأشياء حضوريا لا حصوليا، وقد اعترضوا عليه بشمول علمه جل وعلا الممتنعات والمعدومات الممكنة والعلم الحضوري يختص بالموجودات العينية لأنه حضور المعلوم بصورته العينية عند العالم فكيف لا يختلف الحال فيه بين الأمور البارزة والكامنة مع أن الكامنة تشمل المعدومات الممكنة والممتنعة ولا يتصور فيها التحقق في نفسها حتى يكون علما له تعالى كذا قيل وفيه نظر وتحقيق علم الواجب سبحانه بالأشياء من المباحث المشكلة والمسائل المعضلة التي كم تحيرت فيها أفهام وزلت من العلماء الأعلام أقدام، ولعل النوبة إن شاء الله تعالى تفضي إلى تحقيق ذلك فينبئكم عند ردكم إليه سبحانه ووقوفكم بين يديه بما كنتم تعملون 94 أي بما تعملونه على الاستمرار في الدنيا من الأعمال السيئة السابقة واللاحقة على أن (ما) موصولة أو بعملكم المستمر على أن (ما) مصدرية والمراد من التنبئة بذلك المجازاة عليه وإيثارها عليها لمراعاة ما سبق من قوله تعالى: قد نبأنا الله إلخ وللإيذان بأنهم ما كانوا عالمين في الدنيا بحقيقة أعمالهم وإنما يعلمونها يومئذ

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية