فلا أعبد الذين تعبدون من دون الله في وقت من الأوقات ولكن أعبد الله الذي يتوفاكم ثم يفعل بكم ما يفعل من فنون العذاب وجعل هذه الجملة باعتبار مضمونها جوابا بتأويل الأخبار وإلا فلا ترتب لها على الشرط بحسب الظاهر فالمعنى إن كنتم في شك من ذلك فأخبركم أنه تخصيص العبادة به تعالى ورفض عبادة ما سواه من الأصنام وغيرها مما تعبدونه جهلا وقد كثر جعل الأخبار بمفهوم الجملة جزاء نحو إن أكرمتني اليوم فقد أكرمتك أمس وعلى هذا الطرز قوله تعالى: وما بكم من نعمة فمن الله فإن استقرار النعمة ليس سببا لحصولها من الله تعالى بل الأمر بالعكس وإنما سبب للأخبار بحصولها منه تعالى كما قرره ابن الحاجب [ ص: 197 ] وقد يكون المعنى إن كنتم في شك من صحة ديني وسداده فأخبركم أن خلاصته العبادة لا له هذا شأنه دون ما تعبدونه مما هو بمعزل عن ذلك الشأن فاعرضوا ذلك على عقولكم وأجيلوا فيه أفكاركم وانظروا بعين الإنصاف لتعلموا صحته وحقيته وذكر بعضهم أنه لا يحتاج على هذا إلى جعل المسبب الإخبار والإعلام بل يعتبر الجزاء الأمر بعرض ما ذكر على عقولهم والتفكر فيه والأظهر اعتبار كون الإخبار جزاء كما في المعنى الأول والتعبير عما هم عليه بالشك مع كونهم قاطعين بعدم الصحة للإيذان بأن أقصى ما يمكن عروضه للعاقل في هذا الباب هو الشك في الصحة وأما القطع بعدمها فما لا سبيل إليه وقيل: لا نسلم أنهم كانوا قاطعين بل كانوا في شك واضطراب عند رؤية المعجزات وجيء – بأن - للإشارة إلا أنه مما لا ينبغي أن يكون لوجود ما يزيله
وجوز أن يكون المعنى إن كنتم في شك من ديني ومما أنا عليه أاثبت عليه أم أتركه وأوافقكم فلا تحدثوا أنفسكم بالمحال ولا تشكوا في أمري واقطعوا عني أطماعكم واعلموا أني لا أعبد الذين تعبدون من دون الله ولا أختار الضلالة على الهدى كقوله تعالى: قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون ولا يخفى أن ما قبل أوفق بالمقام وتقديم ترك عبادة غير الله تعالى على عبادته سبحانه لتقدم التخلية على التحلية كما في كلمة التوحيد والإيذان بالمخالفة من أول الأمر وتخصيص التوفي من بين سائر صفات الأفعال بالذكر متعلقا بهم للتخويف فإنه لا شيء أشد عليهم من الموت وقيل: المراد أعبد الله الذي خلقكم ثم يتوفاكم ثم يعيدكم وفيه إيماء إلى الحشر الذي ينكرونه وهو من أمهات أصول الدين ثم حذف الطرفان وأبقي الوسط ليدل عليهما فإنهما قد كثر اقترانهما به في القرآن وأمرت أن أكون من المؤمنين 104 أي أوجب الله تعالى على ذلك فوجوب الإيمان بالله تعالى شرعي كسائر الواجبات وذكر المولى صدر الشريعة أن للشرعي معنيين ما يتوقف على الشرع كوجوب الصلاة والصوم وما ورد به الشرع ولا يتوقف على الشرع كوجوب الإيمان بالله سبحانه ووجوب تصديقه صلى الله تعالى عليه وسلم فإنه لا يتوقف على الشرع فهو ليس بشرعي بالمعنى الأول وذلك لأن ثبوت الشرع موقوف على الإيمان بوجود الباري تعالى وعلمه وقدرته وكلامه وعلى التصديق بنبوة النبي عليه الصلاة والسلام بدلالة معجزاته فلو توقف شيء من هذه الأحكام على الشرع لزم الدور ولقائل أن يمنع توقف الشرع على وجوب الإيمان ونحوه سواء أريد بالشرع خطاب الله تعالى أو شريعة النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وتوقف التصديق بثبوت شرع النبي صلى الله تعالى عليه وسلم على الإيمان بالله تعالى وصفاته وعلى التصديق بنبوة النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ودلالة معجزاته لا يقتضي توقفه على وجوب الإيمان والتصديق ولا على العلم بوجوبهما غايته أنه يتوقف على نفس الإيمان والتصديق وهو غير مفيد لتوقفه على وجوب الإيمان والتصديق ولا مناف لتوقف وجوب الإيمان ونحوه على الشرع كما هو المذهب عندهم من أن لا وجوب إلا بالسمع وقول هنا: إنه عليه الصلاة السلام أمر بالعقل والوحي لا يخلو عن نزغة اعتزالية كما هو دأبه في كثير من المواضع ومن قال من المفسرين منا: إنه وجب على ذلك بالعقل والسمع أراد بالعقل التابع لما سمع بالشرع فلا تبعية والكلام على حذف الجار أي أمرت بأن أكون وحذفه من أن وأن مطرد وإن قطع النظر عن ذلك فالحذف بعد أمر مسموع عن الزمخشري العرب كقوله: [ ص: 198 ]
أمرتك الخير فافعل ما أمرت به فقد تركتك ذا مال وذا نشب
وأدخل بعضهم هذه الجملة في الجزاء وليس بمتعين