(وشريت) بردا ليتني من بعد برد كنت هامه
وقوله:ولو أن هذا الموت يقبل فدية شريت أبا زيد بما ملكت يدي
وزعم بعضهم أنه يلزم بعد عمل اسم الفاعل من غير اعتماد من الغفلة بمكان لأن محل الخلاف عمله في الفاعل والمفعول به الصريح لا في الجار والمجرور الذي يكفيه رائحة الفعل؛ وقال بعض المتأخرين: إن الصفة هنا معتمدة على اسم –كانوا- وهو مبتدأ في الأصل، والاعتماد على ذلك معتبر عندهم، ففي الرضي عند قول والاعتماد على صاحبه ويعني بصاحبه المبتدأ إما في الحال نحو زيد ضارب أخواه، أو في الأصل نحو كان زيد ضاربا أخواه، وظننتك ضاربا أخواك وإن زيدا ضارب غلاماه، وعلى هذا لا يحتاج في الجواب إلى إخراج الجار والمجرور عن حكم الفاعل والمفعول به الصريح وإن كان له وجه وجيه خلافا لمن أنكره، ومن الناس من يتمسك بعموم يتوسع في الظرف والجار والمجرور ما لا يتوسع في غيرهما في دفع ما يورد على تعلق الجار هنا بالصفة المجرور الواقعة صلة لأل كائنا ما كان فليفهم. ابن الحاجب:
هذا والشائع أن الباعة إخوته والزاهدين هم، وفي بعض الآثار أنهم حين باعوه قالوا للتاجر: إنه لص آبق فقيده ووكل به عبدا أسود فلما جاء وقت ارتحالهم بكى عليه السلام فقال له التاجر: ما لك تبكي؟ فقال: أريد أن أصل إلى الذين باعوني لأودعهم وأسلم عليهم سلام من لا يرجع إليهم، فقال التاجر للعبد: خذه واذهب به إلى مواليه ليودعهم ثم ألحقه بالقافلة فما رأيت غلاما أبر من هذا بمواليه ولا قوما أجفى منهم، فتقدم العبد به إلى إخوته وكان واحد منهم مستيقظا يحرس الأغنام فلما وصل إليه يوسف وهو يعثر في قيده انكب [ ص: 206 ] عليه وبكى، فقال له: لما جئت؟ فقال: جئت لأودعكم وأسلم عليكم فصاح عليهم أخوهم قوموا إلى من أتاكم يسلم عليكم سلام من لا يرجو أن يراكم أبدا فويل لكم من هذا الوداع فقاموا فجعل يوسف ينكب على كل واحد منهم ويقبله ويعانقه، ويقول: حفظكم الله تعالى وإن ضيعتموني آواكم الله تعالى وإن طردتموني رحمكم الله تعالى وإن لم ترحموني، قيل: إن الأغنام ألقت ما في بطونها من هول هذا التوديع، ثم أخذه العبد وطلب القافلة فبينما هو على الراحلة إذ مر بقبر أمه راحيل في مقابر كنعان فلما أبصر القبر لم يتمالك أن رمى بنفسه عليه فاعتنقه وجعل يبكي ويقول: يا أماه ارفعي رأسك من التراب حتى تري ولدك مقيدا يا أماه إخوتي في الجب طرحوني ومن أبي فرقوني وبأبخس الأثمان باعوني ولم يرقوا لصغر سني ولم يرحموني فأنا أسأل الله تعالى أن يجمع بيني وبين والدي في مستقر رحمته إنه هو أرحم الراحمين، فالتفت العبد فلم يره فرجع فرآه على القبر فقال: والله لقد صدق مواليك إنك عبد آبق ثم لطمه لطمة شديدة فغشي عليه ثم أفاق فقال له: لا تؤاخذني هذا قبر أمي نزلت أسلم عليها ولا أعود بعد لما تكرهه أبدا ثم رفع عينيه إلى السماء وقد تمرغ بالتراب والدموع في وجهه فقال: اللهم إن كانت لي خطيئة أخلقت وجهي عندك فبحرمة آبائي الكرام إبراهيم وإسحاق ويعقوب أن تعفو عني وترحمني يا أرحم الراحمين فضجت الملائكة إلى الله تعالى عند ذلك، فقال تبارك وتعالى: يا ملائكتي هذا نبيي وابن أنبيائي وقد استغاث بي وأنا مغيثه ومغيث المستغيثين يا جبريل أدركه، فنزل جبريل عليه السلام فقال: يا صديق الله ربك يقرئك السلام ويقول لك: مهلا عليك فقد أبكيت ملائكة السماوات السبع أتريد أن أطبق السماء على الأرض؟ فقال: لا يا جبريل ارفق بخلق ربي فإنه حليم لا يعجل، فضرب الأرض بجناحه فهبت ريح حمراء وكسفت الشمس وأظلمت الغبراء فلم ير أهل القافلة بعضهم بعضا، فقال التاجر: انزلوا قبل أن تهلكوا إن لي سنين عديدة أمر بهذا الطريق فما رأيت كاليوم فمن أصاب منكم ذنبا فليتب منه فما أصابنا هذا إلا بذنب اقترفناه فأخبره العبد بما فعل مع يوسف، وقال يا سيدي: إني لما ضربته رفع عينيه إلى السماء وحرك شفتيه فقال له التاجر: ويحك أهلكتنا وأهلكت نفسك، فتقدم إليه التاجر وقال: يا غلام إنا ظلمناك حين ضربناك فإن شئت أن تقتص منا فها نحن بين يديك؟ فقال يوسف: ما أنا من قوم إذا ظلموا يقتصون ولكني من أهل بيت إذ ظلموا عفوا وغفروا ولقد عفوت عنكم رجاء أن يعفو الله تعالى عني فانجلت الظلمة وسكنت الريح وأسفرت الشمس وأضاءت مشارق الأرض ومغاربها، فساروا حتى دخلوا مصر آمنين، وكان هذا التاجر فيما قيل: مالك بن ذعر الذي أخرجه من الجب، وقيل: غيره.
وروي أنه حين ورد به مصر باعه بعشرين دينارا، وزوجي نعل وثوبين أبيضين، وقيل: أدخل السوق للبيع فترافعوا في ثمنه حتى بلغ وزنه مسكا، ووزنه ورقا، ووزنه حريرا، فاشتراه بذلك العزيز الذي كان على خزائن مصر عند ملكها، وقيل: كان خباز الملك وصاحب شرابه ودوابه وصاحب السجن المشهور، والمعول عليه هو الأول، واسمه قطفير أو أطفير أو قنطورا، والأول مروي عن وهو المراد في قوله سبحانه: ابن عباس،