وقال هو سبعة عشر عاما إلى نحو الأربعين، وعن الزجاج: مجاهد -ورواه وقتادة عن ابن جبير- أنه ثلاثة وثلاثون، أو ثلاثون أو أحد وعشرون، وقال ابن عباس عشرون، وحكى الضحاك: أنه ثمان وثلاثون. ابن قتيبة
وقال أربعون، والمشهور أن الإنسان يقف جسمه عن النمو إذا بلغ ذلك، وإذا وقف الجسم وقفت القوى والشمائل والأخلاق، ولذا قيل: الحسن:
إذا المرء وفى الأربعين ولم يكن له دون ما يهوى حياء ولا ستر فدعه ولا تنفس عليه الذي مضى
وإن جر أسباب الحياة له العمر
وزعم عن أنه لا واحد له من لفظه عند العرب، وقال أبي عبيدة أهل الفراء: البصرة يزعمون أنه اسم واحد لكنه على بناء ندر في المفردات وقلما رأينا اسما على أفعل إلا وهو جمع آتيناه حكما أي حكمة وهي في لسان الشرع العلم النافع المؤيد بالعمل لأنه بدونه لا يعتد به، والعمل بخلاف العلم سفه، أو حكما بين الناس وعلما يعني علم تأويل الرؤيا، وخص بالذكر لأنه غير داخل فيما قبله، أو أفرد بالذكر لأنه مما له شأن وليوسف عليه السلام به اختصاص تام كذا قيل، وفسر بعضهم الحكمة بالنبوة والعلم بالتفقه في الدين، وقيل: الحكمة حبس النفس عن هواها وصونها عما لا ينبغي، والعلم هو العلم النظري، وقيل: أراد بالحكمة الحكم بين الناس، وبالعلم العلم بوجوه المصالح، فإن الناس كانوا إذا تحاكموا إلى العزيز أمره بأن يحكم بينهم لما رأى من عقله وإصابته في الرأي.
وعن أن الحكم النبوة، والعلم الشريعة، وتنكيرهما للتفخيم أي حكما وعلما لا يكتنه كنههما ولا يقادر قدرهما، وتعقب كون المراد بالعلم العلم بتأويل الأحاديث -بأن قوله سبحانه: ابن عباس وكذلك أي مثل ذلك الجزاء العجيب نجزي المحسنين أي كل من يحسن في علمه -يأباه لأن ذلك لا يصلح أن يكون جزاء لأعماله الحسنة التي من جملتها معاناة الأحزان والشدائد إلا أن يخص بعلم تأويل رؤيا الملك فإن ذلك [ ص: 210 ] حيث كان عند تناهي أيام البلاء صح أن يعد إيتاؤه من جملة الجزاء؛ وأما رؤيا صاحبي السجن فقد لبث عليه السلام بعد تعبيرها في السجن بضع سنين، وفي تعليق الجزاء المذكور بالمحسنين إشعار بعلية الإحسان له وتنبيه على أنه تعالى إنما آتاه ما آتاه لكونه محسنا في أعماله متقنا في عنفوان أمره، ومن هنا قال من أحسن عبادة الله سبحانه في شبيبته آتاه الله تعالى الحكمة في اكتهاله، واستشكل ما أفاده تعليق الحكم بالمشتق من العلية على تقدير أن يراد من الحكمة العلم المؤيد بالعمل مثلا بأن إحسان العمل لا يكون إلا بعد العلم به فلو كان العلم المؤيد به مثلا علة للإحسان بذلك لزم الدور. الحسن:
وأجيب بأن إحسان العمل يمكن أن يكون بطريق آخر كالتقليد والتوفيق الإلهي فيكون سببا للعلم به عن دليل عقلي أو سمعي، أو المراد الأعمال غير المتوقفة على السمع فيكون ذلك السبب للعلم بما شرع له من الأعمال، وقال بعض المحققين: الظاهر تغاير العلمين كما في الأثر: "من عمل بما علم يسر الله تعالى له علم ما لم يعلم". وعن تفسير ( المحسنين ) بالصابرين على النوائب الضحاك