الله يبسط الرزق أي يوسعه لمن يشاء من عباده ويقدر أي يضيق وقيل : يعطي بقدر الكفاية والمراد بالرزق الدنيوي لا ما يعم الأخروي لأنه على ما قيل غير مناسب للسياق وقال صاحب الكشف : إنه شامل للرزقين الحسي والمعنوي الدنيوي والأخروي وذكر في بيان ربط الآية على ذلك ما ذكر وهي كما روي عن نزلت في أهل ابن عباس مكة ثم إنها وإن كانت كذلك عامة وكأنها دفع لما يتوهم من أنه كيف يكونون مع ما هم عليه من الضلال في سعة من الرزق فبين سبحانه أن سعة رزقهم ليس تكريما لهم كما أن تضييق رزق بعض المؤمنين ليس لإهانة لهم وإنما كل من الأمرين صادر منه تعالى لحكم إلهية يعلمها سبحانه وربما وسع على الكافر إملاء واستدراجا له وضيق على المؤمن زيادة لأجره .
وتقديم المسند إليه في مثل هذه الآية للتقوى فقط عند السكاكي يرى أنه لا مانع من أن يكون للتقوى والتخصيص ولذا قال : أي الله وحده هو يبسط ويقدر دون غيره سبحانه وقرأ والزمخشري رضي الله تعالى عنهما ( ويقدر ) بضم الدال حيث وقع زيد بن علي وفرحوا استئناف ناع قبح أفعالهم مع ما وسعه عليه .
والضمير قيل لأهل مكة وإن لم يسبق ذكرهم واختاره جماعة وقال : للذين ينقضون وزعم بعضهم أن الجملة معطوفة على صلة ( الذين ) وفي الآية تقديم وتأخير ومحل هذا بعد ( يفسدون في الأرض ) ولا يخفى بعده للاختلاف عموما وخصوصا واستقبالا ومضيا أي فرحوا فرح أشر وبطر ولا فرح سرور بفضل الله تعالى . أبو حيان
بالحياة الدنيا أي بما بسط لهم فيها من النعيم لأن فرحهم ليس بنفس الدنيا فنسبة الفرح إليها مجازية أو هناك تقدير أي يبسط الحياة أو الحياة الدنيا مجاز عما فيها وما الحياة الدنيا في الآخرة أي كائنة في جنب نعيمها فالجار والمجرور في موضع الحال وليس متعلقا بالحياة ولا بالدنيا كما قال لأنهما ليسا فيها . أبو البقاء
و ( في ) هذه معناها المقايسة وهي كثيرة في الكلام كما يقال : ذنوب العبد في رحمة الله تعالى كقطرة في بحر وهي الداخلة بين مفضول سابق وفاضل لاحق وهي الظرفية المجازية لأن ما يقاس بشيء يوضع بجنبه [ ص: 148 ] وإسناد متاع في قوله تعالى : إلا متاع . (26) . إلى الحياة الدنيا يحتمل أن يكون مجازيا ويحتمل أن يكون حقيقيا والمراد أنها ليست إلا شيئا نزرا يتمتع به كعجالة الراكب وزاد الراعي يزوده أهله الكف من التمر أو الشيء من الدقيق أو نحو ذلك والمعنى أنهم رضوا بحظ الدنيا معرضين عن نعيم الآخرة والحال أن ما أشروا به في جنب ما أعرضوا عنه نزر النفع سريع النفاد أخرج وصححه عن الترمذي عبد الله بن مسعود قال : وقيل : معنى الآية كالخبر الدنيا مزرعة الآخرة يعني كان ينبغي أن يكون ما بسط لهم في الدنيا وسيلة إلى الآخرة كمتاع تاجر يبيعه بما يهمه وينفعه في مقاصده لا أن يفرحوا بها ويعدوها مقاصد بالذات والأول أولى وأنسب . نام رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم على حصير فقام وقد أثر في جنبه فقلنا : يا رسول الله لو اتخذنا لك فقال : ما لي وللدنيا ما أنا في الدنيا إلا كراكب استظل تحت شجرة ثم راح وتركها