الذين تتوفاهم الملائكة بتأنيث الفعل، وقرأ حمزة «يتوفاهم» بالتذكير هنا وفيما سيأتي إن شاء الله تعالى، والوجهان شائعان في أمثال ذلك. والأعمش
وقرئ بإدغام تاء المضارعة في التاء بعدها ويجتلب في مثله حينئذ همزة وصل في الابتداء وتسقط في الدرج وإن لم يعهد همزة وصل في أول فعل مضارع. وفي مصحف عبد الله بتاء واحدة في الموضعين، وفي الموصول أوجه الإعراب الثلاثة: الجر على أنه صفة ( الكافرين ) أو بدل منه أو بيان له، والنصب والرفع على القطع للذم وجوز كونه مرتفعا بالابتداء وجملة ابن عطية فألقوا خبره. وتعقبه بأن زيادة الفاء في الخبر لا تجوز هنا إلا على مذهب أبو حيان في إجازته وزيادتها في الخبر مطلقا نحو: زيد فقام أي قام، ثم قال: ولا يتوهم أن هذه الفاء هي الداخلة في خبر المبتدأ إذا كان موصولا وضمن معنى الشرط لأنها لا يجوز دخولها في مثل هذا الفعل مع صريح أداة الشرط فلا يجوز مع ما ضمن معناه اهـ بلفظه. ونقل شهاب عنه أنه قال: إن المنع مع ما ضمن معناه أولى. وتعقبه بأن كونه أولى غير مسلم لأن امتناع الفاء معه لأنه لقوته لا يحتاج إلى رابط إذا صح مباشرته للفعل وما تضمن معناه ليس كذلك، وكلامه الذي نقلناه لا يشعر بالأولوية فلعله وجد له كلاما آخر يشعر بها. الأخفش
واستظهر هو الجر على الوصفية ثم قال: فيكون ذلك داخلا في المقول، فإن كان القول يوم القيامة يكون ( تتوفاهم ) بصيغة المضارع حكاية للحال الماضية، وإن كان في الدنيا أي لما أخبر سبحانه أنه يخزيهم يوم القيامة ويقول جل وعلا لهم ما يقول قال أهل العلم: إن الخزي اليوم الذي أخبر الله تعالى أنه يخزيهم فيه والسوء على الكافرين يكون ( تتوفاهم ) على بابه، ويشمل من حيث المعنى من توفته ومن تتوفاه، وعلى ما ذكره يحتمل أن يكون ( الذين ) إلى آخره من كلام الذين أوتوا العلم وأن يكون إخبارا منه تعالى، والظاهر أن القول يوم القيامة فصيغة المضارع لاستحضار صورة توفي الملائكة إياهم كما قيل آنفا لما فيها من الهول، وفي تخصيص الخزي والسوء بمن استمر كفره إلى حين الموت دون من آمن منهم ولو في آخر عمره، وفيه تنديم لهم لا يخفى أي الكافرين المستمرين على الكفر إلى أن تتوفاهم الملائكة ابن عطية ظالمي أنفسهم أي حال كونهم مستمرين على الشرك الذي هو ظلم منهم لأنفسهم وأي ظلم حيث عرضوها للعذاب المقيم فألقوا السلم أي الاستسلام كما قاله [ ص: 129 ] وقال الأخفش الخضوع، ولا بعد بين القولين. والمراد عليهما أنهم أظهروا الانقياد والخضوع، وأصل الإلقاء في الأجسام فاستعمل في إظهارهم الانقياد وإشعارا بغاية خضوعهم وانقيادهم وجعل ذلك كالشيء الملقى بين يدي القاهر الغالب. قتادة:
والجملة قيل عطف على قوله تعالى: ويقول أين شركائي وما بينهما جملة اعتراضية جيء بها تحقيقا لما حاق بهم من الخزي على رؤوس الأشهاد. وكان الظاهر فيلقون إلى آخره إلا أنه عبر بصيغة الماضي للدلالة على تحقق الوقوع أي يقول لهم سبحانه ذلك فيستسلمون وينقادون ويتركون المشاقة وينزلون عما كانوا عليه في الدنيا من الكبر وشدة الشكيمة، ولعله مراد من قال: إن الكلام قد تم عند قوله تعالى: ( أنفسهم ) ثم عاد إلى حكاية حالهم يوم القيامة، وقيل: عطف على ( قال الذين ) وجوز وغيره العطف على ( تتوفاهم ) واستظهره أبو البقاء ، لكن قال أبو حيان : إنه إنما يتمشى على كون ( تتوفاهم ) بمعنى الماضي، وقد تقدم لك القول بأن الجملة خبر ( الذين ) مع ما فيه. واعترض الأول بأن قوله تعالى: الشهاب ما كنا نعمل من سوء إما أن يكون منصوبا بقول مضمر وذلك القول حال من ضمير ألقوا أي ألقوا السلم قائلين ما كنا إلى آخره أو تفسيرا للسلم الذي ألقوه بناء على أن المراد به القول الدال عليه بدليل الآية الأخرى فألقوا إليهم القول [النحل: 86] وأيا ما كان فذلك العطف يقتضي وقوع هذا القول منهم يوم القيامة وهو كذب صريح ولا يجوز وقوعه يومئذ.
وأجيب بأن المراد ما كنا عاملين السوء في اعتقادنا أي كان اعتقادنا أن عملنا غير سيئ، وهذا نظير ما قيل في تأويل قولهم والله ربنا ما كنا مشركين [الأنعام: 23] وقد تعقب بأنه لا يلائمه الرد عليهم بـ بلى إن الله إلى آخره لظهور أنه لإبطال النفي ولا يقال: الرد على من جحد واستيقنت نفسه لأنه يكون كذبا أيضا فلا يفيد التأويل.
ومن الناس من قال بجواز وقوع الكذب يوم القيامة، وعليه فلا إشكال، ولا يخفى أن هذا البحث جار على تقدير كون العطف على ( قال الذين ) أيضا إذ يقتضي كالأول وقوع القول يوم القيامة وهو مدار البحث.
واختار شيخ الإسلام عليه الرحمة العطف السابق وقال: إنه جواب عن قوله سبحانه ( أين شركائي ) وأرادوا بالسوء الشرك منكرين صدوره عنهم، وإنما عبروا عنه بما ذكر اعترافا بكونه سيئا لا إنكارا لكونه كذلك مع الاعتراف بصدوره عنهم، ونفي أن يكون جوابا عن قول أولي العلم ادعاء لعدم استحقاقهم لما دهمهم من الخزي والسوء، ولعله متعين على تقدير العطف على ( قال الذين ) إلى آخره، وإذا كان العطف على ( تتوفاهم الملائكة ) كان الغرض من قولهم هذا الصادر منهم عند معاينتهم الموت استعطاف الملائكة عليهم السلام بنفي صدور ما يوجب استحقاق ما يعانونه عند ذلك، وقيل: المراد بالسوء الفعل السيئ أعم من الشرك وغيره ويدخل فيه الشرك دخولا أوليا أي ما كنا نعمل سوءا ما فضلا عن الشرك، (ومن) على كل حال زائدة و(سوء) مفعول لنعمل بلى رد عليهم من قبل الله تعالى أو من قبل أولي العلم أو من قبل الملائكة عليهم السلام، ويتعين الأخير على كون القول عند معاينة الموت ومعاناته أي بلى كنتم تعملون ما تعملون.
إن الله عليم بما كنتم تعملون فهو يجازيكم عليه وهذا أوانه