وقال : لم يتكرر النهي فإن ما سبق إخبار بأنهم اتخذوا أيمانهم دخلا معللا بشيء خاص وهو أن تكون أمة هي أربى من أمة وجاء النهي المستأنف الإنشائي عن اتخاذ الإيمان دخلا على العموم فيشمل جميع الصور من الحلف في المبايعة وقطع الحقوق المالية وغير ذلك. ورد بأن قيد المنهي عنه فليس إخبارا صرفا [ ص: 224 ] ولا عموم في الثاني لأن قوله تعالى: أبو حيان فتزل إلخ إشارة إلى العلة السابقة إجمالا على أنه قد يقال إن الخاص مذكور في ضمن العام أيضا فلا محيص عن التكرار أيضا ولو سلم ما ذكره فتأمل، ونصب- تزل- بأن مضمرة في جواب النهي لبيان ما يترتب عليه ويقتضيه، قال في البحر: وهو استعارة للوقوع في أمر عظيم لأن القدم إذا زلت انقلب الإنسان من حال خير إلى حال شر، وتوحيد القدم وتنكيرها- كما قال - للإيذان بأن زلل قدم واحدة أي قدم كانت عزت أو هانت محذور عظيم فكيف بأقدام، وقال الزمخشري : إن الجمع تارة يلحظ فيه المجموع من حيث هو مجموع وتارة يلحظ فيه كل فرد فرد وفي الأول يكون الإسناد معتبرا فيه الجمعية وفي الثاني يكون الإسناد مطابقا للفظ الجمع كثيرا فيجمع ما أسند إليه ومطابقا لكل فرد فيفرد كقوله تعالى: أبو حيان وأعتدت لهن متكأ فأفرد المتكأ لما لوحظ في ( لهن ) كل واحدة منهن ولو جاء مرادا به الجمعية أو على الكثير في الوجه الثاني لجمع وعلى هذا ينبغي أن يحمل قوله:
فإني وجدت الضامرين متاعهم يموت ويفنى فارضخي من وعائيا
أي كل ضامر، ولذا أفرد الضمير في يموت ويفنى، ولما كان المعنى هنا لا يتخذ كل واحد منكم جاء فتزل قدم مراعاة لهذا المعنى. ثم قال سبحانه وتذوقوا السوء مراعاة للمجموع أو للفظ الجمع على الوجه الكثير إذا قلنا: إن الإسناد لكل فرد فرد فتكون الآية قد تعرضت للنهي عن اتخاذ الأيمان دخلا باعتبار المجموع وباعتبار كل فرد ودل على ذلك بإفراد (قدم) وجمع الضمير في وتذوقوا . وتعقب بأن ما ذكره نكتة سرية وهذا توجيه للأفراد من جهة العربية فلا ينافي النكتة المذكورة، والمراد من السوء العذاب الدنيوي من القتل والأسر والنهب والجلاء غير ذلك مما يسوء ولا يخفى ما في (تذوقوا) من الاستعارة الزمخشري بما صددتم بسبب صدودكم وإعراضكم أو صد غيركم ومنعه عن سبيل الله الذي ينتظم الوفاء بالعهود والأيمان فإن من نقض البيعة وارتد جعل ذلك سنة لغيره يتبعه فيها من بعده من أهل الشقاء والإعراض عن الحق فيكون صادا عن السبيل.
وجعل هذه بعضهم دليلا أن الآية فيمن بايع رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وهو كما ترى ولكم في الآخرة عذاب عظيم لا يعلم عظمه إلا الله تعالى